دروس رمضانية،

علي بن أحسن الحمزي (معاصر)

الدرس الثالث والعشرون الصدقة تبارك المال

صفحة 171 - الجزء 1

  فقال لها: أتدرين من أنا؟ وأنا السائل الأول.

  والقصة الأخرى ذكرها صاحب كتاب (طرائف المشتاقين في قصص الأولياء والصالحين) نذكرها بكامل ألفاظها، قال فيه: «حكاية عجيبة: روى لنا شيخنا، شيخ الإسلام الحجة، أبو الحسين مجد الدين بن محمد المؤيدي قصة عجيبة قريبة العهد في أول هذا القرن الرابع عشر: أن رجلاً صالحاً كان مسافراً في جهات صعدة صباح يوم، فقامت أعمدة الجراد حتى غطت على عين الشمس كالسحب المتراكمة بعضها فوق بعض، فسمع صوتاً من السماء بالعربية الفصحاء يسمع صوته، ولا يرى شخصه، يقول: (يا جند الله عليكم بوادي علاف إلا زرع القنبري) فغذّ الرجل السير مجداً مجتهداً إلى وادي علاف، ليرى هذه العجيبة، فوصل إليها قبل الظهر، وقد غطى الجراد الشجر والحجر والزرع، والناس من الفلاحين كل واحد يحاول أن يصده عن مزرعته، هذا بالطبول، وهذا بإضرام النيران، وهذا بالهوَّاش، وهذا بإثارة الأتربة، فلم يَبْقَ شيء.

  فسأل الرجل عن (القنبري)؟ فقالوا له: هو ذاك في مزرعته وهو يروح ويجيء أمام أصحابه، وكأنه يعمل مثلما يعملون، فلم تمضِ إلا ساعة واحدة وكانت الأرض جرداء لم يبق فيها خضراء، ولم يبق إلا جذوع العلوب، والأشجار الكبيرة، وإذا مزرعة (القنبري) كعادتها، لم يأكل منها بقلة واحدة، وصارت علامة خضراء من أعلى الوادي إلى أسفله، فغدا عليه أصحابه يقولون له: كيف فعلت؟ كيف فعلت؟ فقال: أعان الله تعالى على صرفها، أما رأيتموني بينها أهوش وأعمل مثلما تعملون أنا وعيالي، فتعجبوا.

  ودخل (القنبري) مسجد القرية وتبعه الرجل، فلما صلوا الظهر، قال الرجل: أنا ضيفك يا (قنبري) فقال: مرحباً وسهلاً بالضيف، فدخل معه البيت فغدّاه وأكرمه، ثم خرجا المسجد وصليا صلاة العصر مع الناس، و (القنبري) لم يعمل شيئاً زيادةً على الناس.