الدرس الواحد والثلاثون (وقفات وتأملات)
  قال الوافد: كيف أصنع إذا لم أستطع البكاء ولم تدمع العين؟!
  قال العالم: ما جمدت العيون إلا من قساوة القلوب، وما قست القلوب إلا من كثرة الذنوب، وما كثرت الذنوب إلا بالرضى بالعيوب، وما وقع الرضى إلاّ بعد الاجتراء على علاّم الغيوب، جمود العين من وجود الرين. وقال في ذلك شعراً:
  تزَّود من حياتك للممات ... ولا تغترَّ في طول الحياة
  أترقد والمنايا طارقات ... كأنك قد أمنت من البيات
  أتضحك أيها العاصي وتلهو ... ونار الله تسعر للعصات
  أتضحك يا سفيه ولست تدري ... بأي بشارة يأتيك آت
  فيا قلبي فلم تزدد رجوعا ... وتعرض عن عظات ذوي العظات
  ثم قال: أتبغي صفاء الفؤاد مع بقاء المراد، تُضيع الأصول، وتركب الفضول، ثم تطمع في الوصول، وأنت لا تتبع ما جاء به الرسول ÷.
  أتطلب المراد مع كثرة الرقاد، وقلة الاجتهاد، أتطلب المساعدة مع قلة المجاهدة، هذا من علامة المباعدة! لن تنال الأماني إلا بترك الفاني، لا بالكسل والتواني، أسهر العيون تصبح غير مغبون، لن تنال غرف الجِنان إلا بصفاء الجَنان، وخالص الإيمان، وقراءة القرآن، وتوحيد الرحمن، وإطعام الطعام، ورحمة الأيتام، وكثرة الصيام، وطول القيام، من طابت مناجاته ارتفعت درجاته، وقلَّت فزعاته.
  قال الوافد: بما ينال العبد جنة الخلود؟
  قال العالم: بحفظ الحدود، وبذل المجهود، وطاعة المعبود، والوفاء بالعهود، وكثرة الركوع والسجود.
  من أراد الأمان، فليخلص الإيمان، ويفعل الإحسان، ويقرأ القرآن. لن ينال جنة النعيم، إلا من جاء بقلب سليم، لن تنال من الله المزيد، إلا بصدق التوحيد،