الدرس الواحد والثلاثون (وقفات وتأملات)
  تَقَوَّلْتَ وتَحَرَّفْتَ، وتوانيت وسوَّفت، وبارزت وخالفت، وعصيت وجاهرت.
  كأني بك وقد ندمت على إضاعتك، وتأسفت عن ترك طاعتك، وبكيت عند هجوم ساعتك، وخسرت في تجارتك وبضاعتك، ولم تنتفع بفصاحتك وبراعتك، وذهب ما كان من قوتك وشجاعتك.
  [ثم] قال الوافد: كأني بالقيامة وقد قامت!
  قال العالم: نعم ... كأني بالشاب المليح وهو في النار طريح، ثاوٍ يصيح، بمقامعها جريح، يطلب الراحة لا يستريح، بين أطباق العذاب يصيح.
  كم من شيخ كبير في العذاب المستطير، لم تُرحم شيبته! ولم تُكشف كربته! ولم تقبل معذرته! قد أُطعم الضريع، وسُقي الحميم، وعُرِّي وجُرِّد، وقرِّب للعذاب ومُدِّد، وضرب بالمقامع وتُهُدِّد، وغُلِّل بالسلاسل وقُيِّد، وأُنزل في أدراك النار وأفرد، وطُرد من الرحمة وبعد، وبُسط له من النار ومُهِّد، وغُلظ عليه العذاب وُقيّد، ومُزق جلده بالسياط وبُدّد، وصُب عليه العذاب وجُدّد.
  فالويل له من توابيت النيران، وغضبِ مالك الغضبان، يقول له: هذا جزاء ما أذنبت وعصيت، وأخطأت وتعمدت، وسوفت وتوانيت، لم تنته من العيب، ولم تتعظ بالشيب، بالمعاصي جاهرت، وبنفسك خاطرت، الصلاح أظهرت، والنفاق أسررت، هذا جزاء من أظهر الصلاح وأضمر الفساد، هذا جزاء من أساء وظلم العباد، هذا جزاء من فلت صلاته وأطال الرقاد، هذا جزاء من كان للمسلمين كثير الفساد، هذا جزاء من أضاع الصلاة ولم يقم بها في الأوقات، هذا جزاء من لَهَى واتبع الشهوات، هذا جزاء من عصى الله في الخلوات.
  قال الوافد: كيف يستريح في الدنيا من وعد بهذه المصائب؟
  قال العالم: من ارتكب المحارم، وكسب المآثم، دخل هذه الدار، وخُلد في عذاب النار.