الدرس الواحد والثلاثون (وقفات وتأملات)
  قال الوافد: صف لي الراغب؟
  قال العالم: قَلَّ الراغب، وترك الواجب، ما لله طالب، ولا لعذابه راهب، ولا في ثوابه راغب، ولا عن الذنوب تائب، ولا فتىً نفسًه لله واهب، بل مدِّع كاذب، تارك للحق مجانب، معانق للخلائق، مواظب جاذب مشغوف بالدنيا طالب، مهمل للسنّة والواجب.
  إن البكاء على أمثالنا واجب، قبل الوقوع في العذاب الواصب، بين الحيات والعقارب، نفسٌ من الباب طريد، وقلبٌ من النشاط شديد، وعملٌ من المريد بعيد، كأن الفؤاد حجر أو حديد.
  أيها القلب الشديد، أما يكفيك الزجر والتهديد؟! أما سمعت الوعد والوعيد؟!
  ونهارك عطلة، وليلك غبطة، ودهرك مهلة، أليس لك من الجهل نُقلة! أيُّ عذر لك غداً أو أي علة؟! إلى متى العمل والزلة؟! والمودة في غير الله والخلة؟! أما تخاف موقف الذلة.
  إذا عرفت عملك كله، وعرضت على عالم التفصيل والجملة، أيّ ليلة لك وأيّ يوم؟! وأيّ صلاة لك وأيّ صوم؟! إلى كم الغفلة والنوم؟ إلى كم تتبع عادات القوم؟! إلى كم تجوم في المعاصي حقا ما جوم؟!
  كأني بك وقد أوقفت موقف اللوم؟! على أي عهد لله أوفيتَ، على أي وعد قمت؟! على أي توبة نمت، أي صلاح إليه رمت؟! هل صليت لله مخلصاً أو صمت؟! هل قعدت في رضى الله أو قمت؟!
  أيّ معصية لله تركت؟! أيّ طاعة لله سلكت؟! أيّ هوى لنفسك لله خالفت؟! أيّ ليلة سهرت لربك؟! أيّ يوم صمت من خوف ذنبك؟!
  هل أعملت في جوف الليل فكرك؟! قد أذنبت فهل اعتذرت! وقد أجرمت فهل جدبت! وقد أضعت فهل أطعت! قد هربت فهل طلبت!