دروس رمضانية،

علي بن أحسن الحمزي (معاصر)

الدرس الثامن أعربوا الكلام كي تعربوا القرآن

صفحة 62 - الجزء 1

  قلت: والقول بوجوب مراعاة هذا على كل قارئ ومصل ينافي التيسير الذي أراده الله بنا، ويمنع رفع الحرج الذي رفعه الله عنا؛ إذ لا يهتدي لذلك إلا خواص من الناس بعد رياضة وتعب، ولذا قال الجزري: لا أعلم لبلوغ الغاية في التجويد مثل رياضة الألسن والتكرار على اللفظ المتلقى من فم المحسن، وقد كان العجم يتعلمون القرآن في زمن الرسول ÷، ومن المعلوم أن ألسنتهم لا تواتيهم على النطق به على مقتضى قواعد التجويد، ولم يأمرهم بتعلمها، يدل على ذلك ما أخرجه أبو داود عن جابر قال: خرج علينا رسو الله ÷ ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي والعجمي، فقال: «اقرءوا فكل حسن، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه».

  هذا وأما أئمة الفقه فلهم في المسألة أبحاث وتفاصيل فيما بينهم، واختلاف لا يخلو بعضه عن التحكم بلا دليل، ولا بأس بذكر أقوالهم.

  فنقول: قال الإمام يحيى بن حمزة #: اللحن المفسد ما كان راجعاً إلى تحريف اللفظ كالحمد لله بالخاء المعجمة، أو فساد المعنى كجر ورسوله من قوله: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}⁣[التوبة: ٣]، وضم التاء من: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}⁣[الفاتحة: ٧]، أو إلى فساد النظم كالتقديم والتأخير، أو إلى مفردات الكلمات كترك بعض تشديدات الفاتحة أو ما بعدها، وما عدا ذلك فليس بمفسد، ولو زاد في المد أو نقص حرفاً زائداً كلام التعريف أو التنوين لكنه يجب عليه التعليم لذلك، ولا تفسد به الصلاة؛ لأن الإخلال بواجب التعليم أمر خارج عن الصلاة، واستدل له في الروض بحديث جابر، ويجاب بأن النقص المذكور يوجب خللاً في النظم، ونقصاً في الإعجاز، وهو الفائدة العظمى في تنزيله، وربما فسد به المعنى.

  وأما حديث جابر فمحمول على أن بعضهم وقع منه نقصان في محسنات التلاوة التي لا تضر كقواعد التجويد، ويؤيده قوله: «يقيمونه كما يقام القدح».