مقدمة
  أيها الشاب الجهول، إنك إلى التراب منقول، وعلى النعش محمول، وعن أعمالك مسئول. مالك لا ترجع؟! مالك لا تفزع؟! مالك لا تخضع؟! مالك لا تخشع؟! آه من يومٍ يقول فيه المولى: عبدي شبابَكَ فيم أبليته؟! وعمرك فيما أفنيته؟! فلا تنظر إلى الشباب وطراوته، ولا تغتر بحسنه وملاحته، ولكن انظر إلى صرعته وندامته.
  ما أحسن الإياب بالشاب! وما أقبح الخضاب لمن قد شاب وما تاب! ما بقاء الشيخ في الدهر، إلا كبقاء الشمس على العصر، في وقت العصر. الشيب داعي الموت، وناعي الفوت، الشيب يؤذن بالفراق، ويخبر بالتلاق، الشيب ظاهره وقار، وباطنه انزجار، الشيب يكدر المنى، ويكثر العناء، الشيب كسل في كسل، وعلل في علل، وملل في ملل، وخلل في خلل.
  أين الاستعداد؟ أين تحصيل الزاد؟ وأنت للذنوب تعتاد، وقد ناداك المناد، أين الراجع إلى الله؟ أين المشتري نفسه من الله؟ أين النادم على ذنبه؟ أين الباكي على أمسه؟ أين المستعد لرمسه؟ أين الطالب للثواب؟ أين الخائف للعذاب؟
  ألا ترجعون إلى الله! ألا تُقبلون على الله! ألا تخافون من عذاب الله! ألا تطمعون في ثواب الله! ألا تقتدون بأولياء الله! ألا تتقون من الذنوب! ألا ترجعون من العيوب! ألا تندمون على ما أسلفتم! ألا تعترفون بما أقترفتم! ألا تستغفرون لما أجرمتم!
  أما آن للقلوب أن تخشع؟! أما آن للعيون أن تدمع؟! أما آن للصدور أن تجزع؟! أما آن للعاصي أن يتزعزع من الذنوب؟! أما آن للخاطئ أن يرجع من العيوب؟!
  أما تعلم أيها العاصي أنه لا تخفى خافية على علام الغيوب؟! أما تعلم أنك مأخوذ مطلوب، ومتتبع محسوب، وعلى الوجه في النار مَكبُوب؟! أما تعلم أنك مفارق لكل صديق، ودمعك على خدك مسكوب؟! أما تخاف أن تصبح وأنت