[كلامهم في الغيبة والرد عليه]
  مكانه، وعليه لله تعالى حق في الأمة، وعلى الأمة له حق، فكيف يتمكن من استيفاء حقه منها إذا غاب قبل إبلاء العذر في طلبه لتكون الحجة له عليها، أو يتمكن من إيفائها ما فرض اللَّه لها عليه من الرشد، والهداية، وهو غائب عنها.
  ومن عجائب روايتهم أن الحجة صاحب الأمر في الأمة المنوط به تكليفهم، ومصالح دينهم ودنياهم رووا فيه أنه يتردد بينهم، ويمشي في أسواقهم، ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه، ولا يعلمهم بنفسه فأي حجة يلزم(١) لمن هذا حاله، وهل تردده بيننا يكون أبلغ من ملازمة حفظتنا لنا من الملائكة $ لا يأمروننا بمعروف، ولا ينهوننا عن منكر، ولا ينصرون مظلوماً، ولا يضربون على يد ظالم فما يمنع من يقول(٢) إن الإمام فينا، وحجة اللَّه علينا ملائكتنا الحفظة لأن لهم بنا من الاختصاص ما ليس لغيرهم، وما ليس للإمام، لعل الإمام يطوف علينا لو صح قولهم في ذلك على كل إنسان في عشر سنين مرة، وهؤلاء ملازمون ليلاً ونهاراً فهم أولى بأن تكون حجتهم ألزم، وهؤلاء لاخلاف في قيامهم علينا بالشهادة، كما قال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ١٧ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: ١٧ - ١٨]، والخلاف قائم فيمن ادعته الإمامية إماماً في كونه في الدنيا أولاً، وقد حققت ذلك رواياتهم، ثم بعد ذلك في غَيبته، وصفاته، وبقائه، وإمامته، وجميع أحواله.
  فهذه النكته فيها علم نافع لمن تأمله بعين الإنصاف، ولأن القطعية قد ادعت على الواقفة، والناووسية، وأمثالهم ممن ادعى مغيب الواحد المنتظر، وقالوا: ذهبوا
(١) في (ج): تلزم.
(٢) في (ج): من القول.