حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث العاشر

صفحة 133 - الجزء 1

  قوله #: عَلَيْهَا يَبْلُغُ الْخَيْرَ، وَبِهَا يَنْجُو مِنَ الشَّرِّ.

  الهاء في (عَلَيْهَا) عائدٌ إلى الدنيا التي جعلها في الاستعارة الغريبة الموفقة النبوية مطيَّةً تشبيهاً؛ لَمَّا أشْبَهَ حالُها حالَ المطية لأنها تحمل زادنا وزِنادنا، ومِهادنا ووِسادنا، وأموالنا وأولادنا، ونصل إلى ربِّنا ونحن على ظهرها نيامٌ وأيقاظ، وفرهين⁣(⁣١) وأنقاض، فخاسرٌ ورابح، وصالحٌ وطالح، فإنْ جعلنا بضاعَتَنا إلى سوق الآخرة التقوى كَثُرَتْ أرباحُنا، وظهر فلاحُنا، واشتهر نجاحُنا، وإن كانت بضاعتنا - والعياذ بالله تعالى أن تكون كذلك - النياتُ الفاسدة، والأعمال الكاسدة كَثُرَ الخسار، وظهر البوار، وفُقد الأنصار، ولم يقرَّ قرار، ولا يَبْرُد أُوارٌ⁣(⁣٢)، فلا نُمَكَّنُ من المعاودة للاستبضاع⁣(⁣٣)، ولا ينفعنا الشد والإيضاع⁣(⁣٤).

  قوله #: عَلَيْهَا يَبْلُغُ الْخَيْرَ، وَبِهَا يَنْجُو مِنَ الشَّرِّ.

  هذه صفة المؤمن؛ لأنه نقل عليها زاده، وحمل عتاده، إلى دار معاده، ومثنى وساده، ومحط رحله، ومنتهى سبله، ففاز مع الفائزين، ونجا من شرِّ تبعات العاجزين.

  قوله #: إِنَّهُ إِذَا قَالَ الْعَبْدُ⁣(⁣٥) لَعَنَ اللهُ الدُّنْيَا، قَالَت الدُّنْيَا: لَعَنَ اللهُ أَعْصَانَا لِرَبِّهِ.

  العبد المراد به المكلف وقد تقدم معناه. اللعن الإبعاد والطرد، وقد سميت النار لعنة - نعوذ بالله منها - لِبُعْدِ ساكنها من رحمة الله تعالى، يقول قائل أهل الشرع لمن سُخِطَ عليه ممن يستحق ذلك: إلى لعنة الله، وفي لعنة الله، وهو يريد النار، نسأل الله تعالى كفايتها، فكأنَّ قائلَهم يقول: أبْعَدَ الله الدنيا، وهذا يحمل على من يقول هذا القول وهو حاملٌ لذنبه على الدنيا، ومنَزِّهٌ لنفسه عن


(١) فَرِهينَ: أي فَرِحِينَ وَمَرِحِينَ، وَأَشِرِينَ وَبطِرينَ، ومَعْنَى أنْقاض: مَهْزُولِين قَدْ أنْضَانَا (أَضْنَانا) السَّيْرُ وَطُولُ السَّفَرِ، وفي لسان العرب: النِّقْضُ: المَهْزُول مِنَ الإِبل وَالْخَيْلِ ... وَالْجَمْعُ أَنْقاضٌ. (لسان ٧/ ٢٤٣).

(٢) الأُوَارُ: حَرُّ النارِ والشَّمْسِ، والعَطَشُ، والجمع: أُورٌ، ا. هـ (القاموس المحيط: ٣٤٥).

(٣) الاسْتِبْضاعُ: التَّبَضُّعُ وَالتَّزَوُّدِ بالْبِضاعَةِ، قال في اللسان (٨/ ١٥): اسْتَبْضَعَهُ: جَعَلَهُ بِضاعَتَه، وَفِي الْمَثَلِ: كمُسْتَبْضِع التَّمْرِ إِلى هَجَرَ، ا. هـ.

(٤) الشَّدُّ: السَّيْرُ الشَّدِيدُ، والإِيضَاعُ: حَثِيثُ السَّيْرِ، تمت، هامش (أ) (انظر اللسان ٨/ ٣٩٩).

(٥) في النسخ: إن العبد إذا قال: ... الخ، وما أثبت فمن نص الحديث الأصلي.