[التواضع، ونبذة من سيرة سيد الخلق في التواضع]
  البعيد بلين جانبه، وهذه شيمة رسول الله ÷، وسيرة الصالحين من أهله $، وسيرةُ أهل البصائر من المسلمين ¤ عامة.
  وقد روينا أنَّ ابن عباس كان يحدث عن رسول الله ÷: (إنَّ الله ø أرسل إلى نبيه ÷ مَلَكاً من الملائكة، ومعه جبريل # فقال الملَكُ لرسول الله ÷: إنَّ الله ø يُخَيِّرُكَ بين أن تكون عبداً نبيّاً، وبين أن تكون ملِكاً نبيّاً، فالتفت النبي ÷ إلى جبريل كالمستشير له، فأشار جبريل أن تواضع، فقال ÷: «لَا؛ بَلْ أَكُونُ عَبْداً نَبِيّاً»، قال: فما أكل ÷ بعد تلك الكلمة طعاماً متكئاً حتى لقي ربَّه ø) فانظر إلى التواضع ما أجلَّه، حيث أشار به أمينُ الله وروحه جبريل # على نبيه وصفيِّهِ عليه وآله السلام، وفي الرواية أن رجلاً أُتِيَ به إليه # فلما قام بين يديه ارتعدت فرائصه(١)، فقال النبي ÷: «هَوِّنْ عَلَيْكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ، فَلَسْتُ بِجَبَّارٍ عَنِيدٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ كَانَا يَأْكُلَانِ الْقَدِيدَ(٢)».
  وكان ÷ يُجيب من دعاه، ويَخِفُّ في حاجة من سأله من العبد المملوك والأمة المملوكة فمن فوقهما، وقد كانت تدعوه العجوز الفقيرة إلى منزلها فيَخفُّ لذلك ويُجيبُها ويدعو لها بالبركة، ويُصَلِّي في منزلها، وكان يعود المساكين ويحضر جنائزهم، ومرضتْ مسكينةٌ في المدينة فكان # يعودُها، وقال: «إذا ماتَتْ فَأْذِنُونِي» وأخباره في هذا الباب لا تنقضي، ولا أرفع منه # في البشر ولا أعلى، ففي ذكره ما يكفيك عن ذكر غيره، وقد قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}[الأحزاب: ٢١].
(١) الفَرَائِصُ جَمْعُ فَرِيصَةٍ، والفَرِيصةُ: المُضْغَةُ الَّتِي بَيْنَ الثَّدْيِ ومَرْجِع الْكَتِفِ مِنَ الرَّجُلِ وَالدَّابَّةِ، (انظر لسان العرب ٧/ ٦٤).
(٢) هو اللَّحْمُ اليابِسُ يُقَطَّعُ ثم يشَرَّقُ في الشَّمْسِ حَتَّى يَيْبَس وَيُدَّخَر لِوقْتِ الحاجة، حاشية في الأصل.