حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث السابع والثلاثون

صفحة 367 - الجزء 1

  فأمر # أن يسعى العبد لما ينبغي أن يسعى له وهو الْمُلْكُ الذي لا زوال له، وهو ملك الآخرة وخيرها، وقد دلّت الآثار وحجج العقول مطابِقةً للكتاب الكريم بخلود ملك الآخرة، والمنزل الذي لا انتقال عنه هو دار الْمُقامة، ومنزل السلامة، وهو الجنة التي وعد الله سبحانه أولياءه بسكونها والخلود فيها، وأنهم لا ينتقلون عنها أبداً، ولا يخرجون منها أصلاً، وإنما تَنَقُّلُهُم في أنواع لذاتهم، وأصناف شهواتهم، والمزاروة فيما بينهم، إنما هو شغل بفكاهة كما قال تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ٥٥}⁣[يس] فشُغْلُهم لذّاتُهُم، وفكاهتُهم سُرورُهم، وقد علمنا أن الإنسان يركب الأخطار الكبار ويخوض الغمراتِ العظام طَلَباً لِنَفْعٍ لا يدوم، وذكرٍ لا يبقى، وثناءٍ لا يستمر، فكيف لا يصبر على طاعة الجبار سبحانه ومرضاته، وإيثار محبوبه لتحصيل مُلْكٍ لا زوال له، والنزول في منزلٍ لا انتقال عنه، فنسأل الله تعالى أن يحمد لنا وإياكم العواقب، وأن يبلغنا من طاعته المآرب، ويصلي على النبي وآله.