[التوبة]
  قال: «إنَّ اللهَ تَعَالَى فَتَحَ بَاباً لِلتَّوْبَةِ عَرْضُهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، لَا يُغْلِقُهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ» وهذه مِنَّةٌ جسيمة على هذه الأمة المرحومة تصغر عندها المنن، وفي هذا الخبر دلالة على أنَّ طلوع الشمس من المغرب من آيات الله العظام التي ينقطع التكليف عندها، فـ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}[الأنعام: ١٥٨]، وذلك لا يكون إلا بغتة.
  فالواجب على كل عاقل أنْ يُمْسي تائباً ويُصبح تائباً، وخاصة الإصباح، وإن كان في الْمُمْسَى(١) مخوف آخر وهو مفاجأة الِحمام في المنام، فقد وقع ذلك بكثير من الناس، فالأمر - والله المستعان - متقارب، وأما في الصباح فخيفةً من مفاجأة هذه الكائنة الهائلة.
  قوله #: وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا.
  المبادرة والمسارعة والْحَثَّة والمسابقة هو توجيز(٢) الفعل في وقت الحاجة إليه، والعجلة توجيز الفعل قبل الحاجة إليه، فالمبادرة محمودة، والعجلة مذمومة، ومعنى الجميع واحد وإنما تختلف بالأوقات.
  ومدار التكليف - زاده الله تعالى شرفاً وجِدَّةً - على وجهين: فعل وترك، فالفعل على وجهين: فعل قلب، وفعل جارحة، وفعل الجارحة على وجهين: فعل اللسان وفعل الأركان، وجميع هذا التكليف المتعلق بهذه الجوارح في الفعل والترك ينقسم إلى واجب ونَدْب، والترك يتعلق بالقلب أيضاً واللسان وسائر الجوارح على نحو ما قدمنا في الفعل، فعلى هذه الأقسام مدار التكليف العقلي والشرعي.
  فالواجب على العاقل أن يعرف أحكام الأفعال؛ ليؤدي كلَّ شيءٍ من ذلك مطابقاً لمراد الحكيم تعالى منه فيخرج من عُهدة ما لزمه، ووجوبُ ما هذا حاله معلومٌ لكلِّ عاقل متأمِّل، ألا ترى أنا لو علِمْنا أنَّ بين أيدينا مَلِكاً قادراً؛ وعَلِمْنا أنَّ علينا له حقًّا واجباً، وعلمنا أنه لا يقبل في حقه إلَّا نقداً مخصوصاً، وعلمنا أنا قادمون عليه لا محالة؛ فإنَّ كلَّ عاقل متأمل يعلم وجوبَ تعرُّف ذلك النقد وتحصيله ليخلص بتسليمه من
(١) المُمْسَى: الإِمْساءُ، والاسْمُ: المُسْيُ، بالضم والكسر. (القاموس: ١٣٣٤) وكذلك المُصْبَحُ، كمُكْرَمٍ: مَوْضِعُ الإِصْباحِ، ووَقْتُه. (القاموس: ٢٢٧).
(٢) تَوْجِيزُ الفِعْلِ بِمَعْنَى تَنْجِيزه وتَجْهِيزه، أي قَضَاؤُهُ وإِنْهَاؤُه، قال في تهذيب اللغة: أنْجَزَ عَلَيْهِ وأَوْجَزَ وأجْهَزَ عَلَيْهِ بِمَعْنى وَاحِد.