الدرس الثاني الموعظة الثانية
  والندم، ومن قبل الأخذ بالكظم، وانقطاع المدة، واستكمال العدة، ومن قبل التلاقي واللزام، والأخذ بالنواصي والأقدام، فكأن قد نزلت بكم نازلة الفناء، وأخرجتكم إلى دار البقاء، وكشف عنكم الغطاء، وتجرعتم سكرات الموت، وخضتم غمرات الآخرة، وأتاكم ما كنتم توعدون، وعاينتم ما كنتم تحذرون.
  الدنيا دار غرور، لا يدوم فيها سرور، ولا يؤمن فيها محذور، جديدها يبلى، وخيرها يفنى، من وثق بها خدعته، ومن اطمأن إليها صرعته، ومن أكرمها أهانته، أفراحها تُعقب أحزانا، ولذاتها تُورث أشجانا.
  أعمار الدنيا قصيرة، ورحاها مديرة، وسهامها قاصدة، وحتوفها راصدة، والمغرور من اغتر بها، والمخدوع من ركن إليها، من زهد فيها كُفِيها، ومن رغب عنها وطيها، قد غرت القرون الماضية، وهي على الباقين آتية، فيا بؤسا للباقين، لا يعتبرون بالماضين، يجمعون للوارثين، ويقيمون في محلة المتجبرين.
  فاقنع باليسير، وبادر بالتشمير، وإياك والتغرير، وانظر إلى ما تصير، فليس الأمر بصغير، وهيئ زادك للمسير، فقد أتاك النذير، ووضح لك الطريق، فلا تحيدن عن إطاره إلى المضيق، فقد مضت الأيام، وذهبت الأعوام، وفنيت الأعمار، وأُحصيت الآثار، وعن قليل تدعى فتجيب، وتصعق فتغيب، فعجبا لقلبك كيف لا يتصدع؟! وعجبا لركنك كيف لا يتضعضع؟! وعجبا لجسمك كيف لا يتزعزع؟!
  أما بعد ... فإنك لو رأيت يسير ما بقي من عمرك وأجلك، لزهدت في طول ما ترجو من أملك، ورغبت في الزيادة من عملك، فإنك إنما تُلقى غدا في حفرتك، وتُخلى في وهدتك، ويتبرَّأُ منك القريب، ويتسلى منك الحبيب، فلا أنت إلى أهلك راجع، ولا في عملك زايد شارع، فاعمل ليوم القيامة، قبل الحسرة والندامة.
  فتعز يا أخي بالصبر عن الشهوات، وفكِّر فيما اقترفت على نفسك من الذنوب، وفيما قد ستر الله عليك من العيوب، أما علمت حين عصيته لم يكن