الدرس الثامن والعشرون الإمام علي # وليلة القدر
  حتى أن هذه الطبقات المستحقة يحتاجون في أكثر الوقت إلى الطبقات التي لا استحقاق لها، وتدعوهم الضرورة إلى الذل لهم والخضوع بين أيديهم، إما لدفع ضرر أو لاستجلاب نفع.
  ودون هذه الطبقات من ذوي الاستحقاق - أيضاً - ما نشاهده عياناً من نجّارٍ حاذقٍ، أو بنّاءٍ عالمٍ، أو نقّاشٍ بارعٍ، أو مصور لطيف على غاية ما يكون من ضيق رزقهم، وقعود الوقت بهم، وقلة الحيلة لهم، ويُرى غيرهم ممن ليس يجري مجراهم، ولا يلحق طبقتهم مرزوقاً مرغوباً فيه، كثير المكسب، طيب العيش، واسع الرزق، فهذا حال ذوي الاستحقاق والاستعداد.
  وأمّا الذين ليسوا من أهل الفضائل كحشو العامة، فإنهم - أيضاً - لا يخلون من الحَنَق على الدنيا والذم لها، والحنق والغيظ منها؛ لما يلحقهم من حسد أمثالهم وجيرانهم، ولا يُرى أحد منهم قانعاً بعيشه، ولا راضياً بحاله، بل يستزيد ويطلب حالاً فوق حاله.
  قال: فإذا عرفتَ هذه المقدمة، فمعلوم أن علياً # كان مستحقاً محروماً، بل هو أمير المستحقين المحرومين وسيدهم وكبيرهم.
  ومعلوم أن الذين ينالهم الضيم وتلحقهم المذلة والهضيمة يتعصب بعضُهم لبعض، ويكونون إلْباً ويداً واحدة على المرزوقين الذين ظفروا بالدنيا ونالوا مآربهم منها؛ لاشتراكهم في الأمر الذي آلمهم وساءهم وعضَّهم ومضّهم، واشتراكهم في الأنفة والحمية والغضب والمنافسة لمن علا عليهم وقهرهم وبلغ من الدنيا ما لم يبلغوه.
  فإذا كان هؤلاء - أعني المحرومين - متساويين في المذلة والرتبة، وتعصب بعضهم لبعض فما ظنك إذا كان منهم رجل عظيم القدر، جليل الخطر، كامل الشرف، جامع للفضائل، محتو على الخصائص والمناقب، وهو مع ذلك محروم محدود، قد جرّعته الدنيا علاقِمَها، وعلّته عَلَلاً بعد نَهَلٍ مِنْ صَابِهَا وصَبِرها،