الدرس الواحد والثلاثون (وقفات وتأملات)
  ما هو؟ وكيف هو؟ ومن ترجو؟
  قال الوافد: بيِّن لي ذلك يرحمك الله؟
  قال العالم: هو أن يكون رجاؤك الله في كل أمورك، لدنياك وآخرتك، ولا يكون رجاؤك للخلق أكثر من رجائك للخالق، فتحبط عملك، وتبطل أجرك، فإن الله سبحانه يقول: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ١١٠}[الكهف].
  فتعمل بما أمرك الله به ظاهراً وباطناً، فتصلح ظاهرك، وتصلح باطنك، فإن الظاهر الجلي، يدل على الباطن الخفي، ويكون قلبك متعلقا بذكرِ مَن ناصيتك بيده، ورزقك عليه، ورجاؤك عنده، وشدتك وعافيتك وبلواك ومحياك ومماتك ودنياك وآخرتك، وترجوه للشدة كما ترجوه للرخاء، وترجوه للآخرة كما ترجوه للدنيا، وتخافه كما تخاف الفقر.
  قال الوافد: فما وراء لك يرحمك الله؟
  قال العالم: الرغبة في التطوع، تعرفها ما هي؟ وكيف هي؟
  قال: بيِّنها يرحمك الله؟
  قال العالم: إن الرغبة في التطوع بعد الوفاء بما أمرك الله به، فإنك إذا رغبت ازددت إلى الخير خيراً، وإن لم ترغب لم تزدد وأنت متطوع ولست براغب.
  وأما كيف هي: فالتضرع عند الدعاء، فإنك إذا رغبت تطوعت، وإن لم ترغب كان دعاؤك بلا رغبة، وذلك قول الله ø: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}[الأعراف]، فمن خاف وتضرع | وأجابه.
  قال الوافد: فما وراء ذلك يرحمك الله؟
  قال العالم: وراء ذلك اليقين بالله.
  قال الوافد: وما هو؟
  قال العالم: صاحب اليقين ذنبه لا يكتب، وتوبته لا تحجب.