الدرس الواحد والثلاثون (وقفات وتأملات)
  قال: فأيهما أحب إليك الثواب؟ أم الحساب؟
  قال: بل الثواب أحب إلي من الحساب.
  قال: أما علمت أنك وقت الشدة ترجو الرخاء، وفي وقت الرخاء تخاف الشدة، وذلك قوله ø: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ٥ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ٦}[الشرح]. فتعَّرف حد الشدة فتكون راجياً للرخاء، وتعَّرف حد الرخاء فتكون خائفاً للشدة، لأن الرخاء والشدة يعتقبان، فاستعد للحالتين جميعاً. ولست أعني لك شدة الدنيا ولا رخاءها؛ لأن (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) ولكني أخاف عليك شدة الآخرة إذا رضيت برخاء الدنيا.
  قال الوافد: فما وراء ذلك يرحمك الله؟
  قال العالم: الرضا بالعطاء، والصبر على القضاء.
  [ثم] قال الوافد: أيها العالم الحكيم ما أفضل ما أُعطي العبد؟
  قال: العقل الذي عرّفك نعمة الله، وأعانك على شكرها، وقام بخلاف الهوى، حتى عرف الحق من الباطل، والضار من النافع، والحسن من القبيح.
  قال الوافد: فما وراء ذلك يرحمك الله؟
  قال العالم: الإيمان، وحقيقة الإيمان: الإخلاص، وصدق النية، حتى إذا عملت عملاً صالحاً لم تحب أن تذكر وتُعظَّم من أجل عملك، ولا تطلب ثواب عملك إلا من الله، فهذا هو إخلاص عملك، فإن عملت عملاً وأحببت أن تُذكر وتُعظَّم من أجل ذلك العمل، فقد تعجّلت ثوابه من غير الله، ولم يبق لآخرتك منه شيء.
  قال الوافد: فما تقول في المناجاة؟
  قال العالم: لا تكون المناجاة، إلا مع الرجاء والمصافاة، بقلب سليم من الآفات والظنون والغيبات، ثم تقول: إلهي إن لم أكن لحقك راعياً، لم أكن لغيرك داعياً، وإن لم أكن في طاعتك مسابقاً، لم أكن لأعدائك مطابقاً، وإن لم أكن لك