دروس رمضانية،

علي بن أحسن الحمزي (معاصر)

الدرس الواحد والثلاثون (وقفات وتأملات)

صفحة 256 - الجزء 1

  [ثم] قال الوافد: كيف أحتال في الخلاص؟

  قال العالم: أما تعتذر؟! أما تزدجر؟! أما تستغفر؟! أما لك فيمن مضى عبرة؟! أما لك في العواقب فكرة؟! إلى متى هذه الجفوة والفترة؟! إني أخاف عليك الشقوة والحسرة؟! فكم هذه الغفلة؟! وكم هذه الغرة؟! إلى متى هذه الغفلة الغامرة؟! والقسوة الحاضرة؟! أما تغتنم أيامك؟! أما تمحو آثامك؟! أما تكفِّر إجرامك؟! أما تحذر برأيك؟! أنسيت ما أمامك؟! أما تنتبه من رقادك؟! أما تتأهب لمعادك؟! أنسيت اللحد وضيقه وظلمته؟! أغفلت عن البعث والنشور؟! يوم يظهر كل مستور.

  إلى متى تعلَّل بالأماني الكاذبة؟! وتضيِّع الحقوق الواجبة؟! دفنت الأحباب فلم تعتبر! وغيبتهم في الثرى فلم تزدجر! ما للناس لا يرجعون؟! يوعظون فلا يتعظون ولا ينتهون، وينادون فلا يسمعون، {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ}⁣[المجادلة]. وغشي على قلوبهم الران، فالقلوب مسودة متباعدة، والأجسام منافقة متوآدة، يقولون ما لا يفعلون، ويأملون ما لا يبلغون {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ٤٨}⁣[المرسلات].

  أُمروا بالطاعة فقالوا: ما يأكلون؟! وما يلبسون؟! يكذبون ويسرقون، وينافقون، ويعدِون ويخلفون، ويراؤون ويبخلون، فبأي حديث بعد القرآن يؤمنون؟! ويجمعون ما لا يفرقون، ويمنعون ما لا ينفقون، ويبنون ما لا يسكنون، ويقطعون ما لا يلبسون، ينافقون ولا يخلصون، لا الله يخافون، ولا منه عند المعاصي يستحيون.

  ينامون نوم الهائم، وينسون يوم يؤخذون بالجرائم، لا الله يخافون، ولا عقابه يحذرون، يصبحون على خلاف ما يمسون، همتهم دنية، وأفعالهم ردية، وأعمالهم غير تقية، وأحوالهم غير مرضية.

  قال الوافد: كيف يصنع من أصبح مع هؤلاء؟