دروس رمضانية،

علي بن أحسن الحمزي (معاصر)

الدرس الواحد والثلاثون (وقفات وتأملات)

صفحة 257 - الجزء 1

  قال العالم: يرضى بالله صاحباً، ويعتزل منهم جانباً، ويل لمن له ذنب مستور، وثناء مشهور، وهو عند الله مثبور، ظاهره بالخير معروف، وباطنه بحب الدنيا مشغوف، وهو عن باب الله مصروف، ثيابه أبيض من الحليب، وقلبه مثل قلب الذيب، باطنه من التقوى خراب، وهو يطمع في الثواب، وهو في الدنيا سكران من غير شراب، ظاهره فيه سيماء العابدين، وباطنه فيه سيماء الجاحدين، مقالته مقالة الأبدال، وفعله فعال الجهال، سيرته سيرة المغترين، وأمله أمل المفتونين، فهذا من المطرودين، عن باب رب العالمين.

  ما لي أرى الناس يركبون الشرور؟! ويدخلون في المحذور؟! ويضيعون الأيام والشهور؟! إلى متى يسوفون التوبة؟! ويلبسون لباس ثياب المهتدين؟! ويُضمرون أسرار الظالمين؟!

  إن أبعد الناس من الله بعداً، عبد نظر إلى عيب أخيه ولم ينظر إلى عيب نفسه، ومن رأى لأخيه المسلم حسنة وسترها، ورأى سيئة ونشرها كبّه الله في النار على وجهه، ولم يخفف عنه من عذابها شيئاً.

  من لم يميز بين الحلال والحرام، أسرعت إليه سهام الانتقام، من أسف على شيء من الدنيا يفوته، كثر نزاعه عند موته.

  قال الوافد: كيف يكون الاعتبار؟

  قال العالم: انظر إلى الذين يجمعون ... جمعوا كثيراً، وبنوا كبيراً، وأمّلوا طويلاً، وعاشوا قليلاً، هل تسمع لهم حساً؟! أو ترى لهم في القبور أنساً؟! سكنوا التراب، واغتربوا عن الأصحاب، ولم يسلموا من العقاب، حملوا أثقالاً، وعاينوا وبالاً، وصارت النار لهم منزلاً ومقيلاً، وعرضت عليهم جهنم بكرةً وأصيلاً، لا يطيقون فتيلاً، ولا يسمعون جميلاً، ولا يرجون تحويلاً، ولا يملُّون عويلاً.

  أين الذين شيدوا العمران؟! وشرفوا البنيان؟! وعانقوا النسوان؟! وفرحوا بالولدان؟! وجمعوا الديوان؟! وملكوا البلدان؟! وغلقوا الأبواب؟! وأقاموا الحجاب؟!