دروس رمضانية،

علي بن أحسن الحمزي (معاصر)

الدرس الواحد والثلاثون (وقفات وتأملات)

صفحة 258 - الجزء 1

  أما رأيت كيف دارت عليهم الدوائر؟! وخلت منهم المآثر؟! وتعطلت منهم المنابر؟! وضمتهم المقابر؟! وغيّبتهم المحافر؟! تمزقت جلودهم؟! وتفرقت جنودهم؟! ورجعت قصورهم خراباً؟! ودورهم يَبابا؟! وأجسادهم ترابا؟!

  أين ملوكهم؟! أين أحبارهم،؟! أين مواكبهم؟! أين مراكبهم؟! أين أنصارهم؟! أين عددهم؟! أين وزراؤهم؟! أين ندماؤهم؟! أين من آواهم؟! أصبح غنيهم فقيراً! وأميرهم حقيراً!

  هل بقي الذكر إلا لمن أطاع الله، ونبذ في رضاء ربه دنياه، وخالف مِن خوفِ الله هواه؟ وقدّم الخير لعقباه، يدخل دار السرور، وكفي كل محذور، دارٌ فيها الأمان، والحور الحسان، والأكاليل والتيجان، والوصائف والغلمان، والأنهار الجارية، والأشجار الدانية، والنعمة الوافية، والسرر المصفوفة، والموائد المعروفة، والفرش المرفوعة، والأكواب الموضوعة، والقصور المنصوبة، هذه دار المتقين، ومحل الصالحين، ومأوى المؤمنين.

  قال في ذلك شعراً:

  تنام ولم تنم عنك المنايا ... تنبّه للمنية يا ظلوم

  وحق الله إن الظلم شؤم ... وما زال المسيء هو الظلوم

  إلى الدّيان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم

  سل الأيام عن نعم تفانت ... فتخبرك المنازل والرسوم

  تروم الخلد في دار المنايا ... وكم قد رام قبلك ما تروم

  وقال غيره:

  أعارك ما َله لتقوم فيه ... بطاعته وتعرف بعض حقه

  فلم تعمل بطاعته ولكن ... قويت على معاصيه برزقه

  تبارزه نهاراً ثم ليلاً ... وتستخفي بها من سوء خلقه