الدرس الواحد والثلاثون (وقفات وتأملات)
  ما أسوأ حال عبد يصلي ويصوم! ويسهر ويقوم! ثم هو يحفر بئراً لأخيه! لا يدري أنه يقع فيه. قال الشاعر:
  اغتنم ركعتين زلفاً إلى اللـ ... ـه إذا كنت فارغاً مستريحاً
  وإذا هممت بالزور والبا ... طل فاجعل مكانه تسبيحاً
  اغتنم ركعتين عند فراغ ... فعسى أن يكون موتك بغتة
  كم صحيح رأيت غير مقيم ... ذهبت نفسه الصحيحة فلتة
  قال الوافد: كيف أصنع؟ كيف التواضع؟
  قال العالم: يا عجباً ممن خلق من نطفة! ورزق بلا كلفة! كيف لا يلزم التواضع والعفة؟! ويا عجباً ممن خُلق من ماء مهين! كيف يغتر بالمال والبنين؟! ويا عجباً ممن أصله من التراب والطين! كيف لا يتواضع للفقراء والمساكين؟!
  كيف يفتخر ويعجب؟! ويضحك ويطرب؟! ويلهو ويلعب؟! والتراب وساده، ولا يعتبر، ولا يتفكر! ولا يتوب ولا يستغفر! أليس بعد الغنى الفقر؟! وبعد العمارة القبر؟!
  وكيف يتكبر مَن أوله كف تراب؟ ووسطه ريح في جِراب؟! وآخره ميتة في خراب؟! وكيف يفرح بالمنى من هو عرض للفناء؟! كيف يطمئن بالسرور من تعجله المنية إلى القبور؟! كيف يفرح بمضاجعة النواهد، من يضاجع الدود غداً في الملاحد.
  أيها المعجب بالدنيا وأسبابه، المختال في مراكبه وثيابه، المفتخر بأهله وأصحابه، انظر إلى المنقول من بين أترابه، إلى ظلمة اللحد وترابه.
  أيها المفخور برجاله وماله، المعجب بأحواله وأشغاله، انظر إلى المقبور وتفكر في حاله.
  أيها المتطاول بعشائره وأحبابه، المسرور بعلومه وآدابه، انظر إلى من قصر في شبابه، المختطف من بين أحبابه، هل منع منه حجابه؟! أو نفع أصحابه.