دروس رمضانية،

علي بن أحسن الحمزي (معاصر)

الدرس الرابع إنه القرآن الكريم

صفحة 33 - الجزء 1

  والدنيوية، مصداقاً لما بين يديه من الكتب السماوية، معجزاً باقياً دون كل معجز على وجه كل زمان، دائر من بين سائر الكتب على كل لسان في كل مكان.

  أفحم به من طولب بمعارضته من العرب العَرْبَاء، وأبكم به من تحدى به من مصاقع الخطباء، فلم يتصد للإتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم، ولم ينهض لمقدار أقصر سورة منه ناهض بلغائهم، على أنهم كانوا أكثر من حصى البطحاء، وأوفر عدداً من رمال الدهماء، ولم ينبض منهم عرق العصبية مع اشتهارهم بالإفراط في المضادة والمضارة، والقائهم الشراشر على المعازَّة والمعارَّة، إن أتاهم بمفخرة أتوه بمفاخر، وإن رماهم بمأثرة رموه بمآثر، وقد جرّد لهم الحجة أولاً، والسيف آخراً، فلم يعارضوا إلا السيف وحده.

  فسبحانه ما أجوده، لقد جَاءً لهم من كتابه بكنوز لا تبلى، وأعطاهم به عطية لا يجدها واحد وإن جهد فبذل لهم به كنز الكنوز، ودلهم به على كل نجاة، فتح لهم أبواب الجنان، وهداهم به سبل الرضوان، ونبأهم فيه عن نبأ السماوات العلى وما تحتهن من الأرض السفلى، وما فتق من الأجواء بين الأرض والسماء، وعن خلق الملائكة والجن والإنس فقد نبأهم، وعن كل علم كريم فَقَدْ بِهِ أتاهم، قص به عليهم أخبار القرون الماضية، وأخبرهم فيه بمن أُهْلِكَ بذنبه من الأمم العاتية بكل عجيب من الأشياء، أو قصة كريمة من قصص الأنبياء، فقد أوصل فيه علمها بكم، وأورد عجيب نبأها به عليكم.

  فالقرآن الكريم ذروة الذرى، وبصر من لا يَرَى، وعروة الله الوثقى، وروح من أرواح الهدى، سماوي أحلّه الله برحمته، وأحكم به في العباد فرضه، فلا يُوصَل إلى الخيرات إلا به، ولا تكشف الظلمات إلا بثواقب شهبه، من صحبه صحب سماوياً لا يجهل، وهادياً إلى كل خير لا يضل، ومؤنساً لقرنائه لا يُمل، وسليماً لمن صحبه لا يَغِل، ونصيحاً لمن ناصحه لا يغش، وأنيساً لمن آنسه لا يوحش، وحبيباً لمن حابّه لا يبغض، ومقبلاً على من أقبل عليه لا يعرض، يأمر