العقد الثمين في أحكام الأئمة الهادين،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ومن أدلتهم على وجوب العصمة]

صفحة 154 - الجزء 1

  أمره مطيعين لله سبحانه كما يكون الحكم في اتباع قضاته وولاته، ولم⁣(⁣١) يشترط أحد عصمتهم، وتعبدنا بالصلاة خلفهم، ولا يمتنع أن يعصى بعضهم بأن يصلي بنا على غير وضوء، أو وهو جنب، لفقد عصمتهم، فنكون في تلك الحال مطيعين لأنَّا أدينا ما تعبدنا به، وهو عاصٍ لله تعالى معصية محضة، كما أن الحاكم يلزمه الحكم بشهادة الشهود في الظاهر وإن كان في الجائز أن يشهد بالزور، وعلى الإمام أن يقيم الحدود، وإن جاز أن يكونوا كذبة، كما روينا عن أمير المؤمنين # أنه قطع يد رجل بشهادة رجلين فأقاما ساعة وجاء إليه بآخر فقال: يا أمير المؤمنين غلطنا بذلك، وهذا هو السارق، فقال: لا أقبل كلامكما على هذا، ولو أعلم أنكما تعمدتما الشهادة على الأول لقطعت أيديكما وغرَّمهما دية يد الأول، وإنما تعبدنا بإنفاذ الحكم على الظاهر دون الباطن.

  وروينا عن أبينا ÷ أنه قال: «من قضيت له بما ليس له فلا يقل أعطاني رسول الله، فإنما أقطع له قطعةً من النار، وإنما أنا بشرٌ أحكم بما أسمع، وقد يكون أحد الخصمين ألحن بحجته فأقضي بالحق له و [هو]⁣(⁣٢) عليه»⁣(⁣٣) فكان هذا أكبر دليل على أن الإمام والحاكم يحكم بالظاهر ولايتعبد بما وراءه، فإذا جاز ذلك في الإمام فهو في سائر المكلفين أولى بالجواز، لأن تعبدهم تبع لتعبده، وتمكنه من العلم أكثر من تمكنهم، فإن قال إنه قائم مقام النبي فيجب أن يكون


(١) في (أ): ولا.

(٢) زيادة في (أ).

(٣) حديث من قضيت له: ورد الحديث بألفاظ متقاربة، منها: من قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها، أخرجه البخاري ٣/ ١٧٢، ٩/ ٨٩، ٩١، ومسلم في الأقضية ٥، البيهقي ١٠/ ١٤٣، ١٤٩، ابن كثير ٢/ ٣٥٨، وبلفظ: من قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار، أخرجه أحمد بن حنبل ٦/ ٢٠٣، ٢٩٠، ٣٠٧، ٣٠٨، ٣٢٠، وهنالك بألفاظ أخر.

انظر موسوعة أطراف الحديث النبوي ٨/ ٤٨٣.