[حفظ القرآن]
  والذي يَدُلُّ على بطلان ما ذكروه أن هذه الأحكام التي في الجفرين لا تخلو إما أن نكون متعبَّدين بها أو غير متعبدين، فإن كنَّا متعبَّدين وجب على الباري تعالى إيصالها إلينا ليصح التكليف بها، لأنه يقبح التكليف بما لا يُعلم، وإن كنَّا غير متعبَّدين بها فلا وجه لكلامهم فيها، وادّعاء تكليف جديد في شرع [النبي](١) ÷، وإن قالوا: إن الأمة حرمت أنفسها(٢) ذلك لمنع الإمام.
  قلنا: فلا بد من بلوغ الحجة عليها بعلم التكليف حتى تعصي في شيء قد أمرت به وعلمته أو تطيع فيه، ولأنكم معشر الإمامية في نهاية الإجتهاد في تقوية الإمام، فهلاّ أعلمكم بذلك لتعملوا بحسبه وتسلموا من الإختلاف الذي علمناه بينكم في الأصول والفروع، ولولا خشية التطويل لذكرناه في كتابنا هذا وهو معلوم لأهل المعرفة منَّا ومنكم، ولا بدنا من ذكر طرف منه يدل على غيره إن شاء الله.
[حفظ القرآن]
  وأمَّا القرآن فقد أخبرنا الباري سبحانه بحفظه في الأرض والسماء، قال الله تعالى {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}[البروج: ٢٢]، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ٤١ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت: ٤١ - ٤٢]، ولا خلاف أن المراد بالكتاب العزيز القرآن، وإذا سرق بعضه وافتتح من جانبه فأي حفظ فيه، وإذا حرِّف وغيّر ولم يعلم المكلفون ذلك فقد أتاه الباطل من بين يديه ومن خلفه، وقوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩]، فأخبرنا بحفظه، ولأن
(١) في (أ): في شرع محمد.
(٢) في (ب، وج): أنفسها، وفي (أ): نفسها.