العقد الثمين في أحكام الأئمة الهادين،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[شبهة ثالثة في العصمة والرد عليها]

صفحة 405 - الجزء 1

  فهو إلى اللَّه ø، وقد كان رسول اللَّه ÷ وهو سيد المعصومين يُؤمِّر من الأمراء من تبدو منهم المعاصي فلا ينكر إلا ما ظهر وذلك معلوم لأهل المعرفة، ولهذا فإنه لما أمَّر خالداً على الجيش من حنين، وأمره أن يضرب في نواحي تهامة قتل أهل الغميصا من بني جذيمة بعد إظهارهم الإسلام، فبلغ الخبر إلى النبي ÷، فرفع يديه إلى السماء، وقال: «اللهم، إني أبرأ إليك مما فعله خالد»⁣(⁣١)، وكذلك أمَّر الوليد بن عقبة لجبا بعض الصدقات فأتى وأخبره بمعصية القوم، حتى همَّ رسول اللَّه ÷ بغزوهم، حتى نزل عليه الوحي من اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}⁣[الحجرات: ٦]، فأمسك ÷ وجاءه القوم بسمعهم وطاعتهم، وقالوا يارسول اللَّه: أنكرنا رجوع عاملك عنَّا بعد أن شارفنا فأتينا إليك [لنعلمك]⁣(⁣٢) بسمعنا وطاعتنا، إلى غير ذلك.

  فعصمة الإمام لاتمنع من أن يستعمل من يخون ويعصي كما فعل الحسن بن علي @(⁣٣) في تولية عبدالله بن العباس على الجيش فأسلم العسكر، واستأمن إلى معاوية، وأخذ المال في دين اللَّه تعالى فالتجويز لمعصية الأمير كما ترى لايمنع من وجوب امتثال أمره في ظاهر الحال، ولا تكليف على العباد فيما وراء الظاهر في أمور غيرهم.


(١) اللهم إني أبرأ إليك مما فعله خالد: أخرجه البخاري ٤/ ١٢٢، ٥/ ٢٠٣، ٨/ ٩٢، ٩/ ٩٢، والنسائي ٨/ ٢٣٧، وأحمد بن حنبل ٢/ ١٥١، والبيهقي ٩/ ١١٥، وعبد الرزاق بأرقام ٩٤٣٥، ١٨٧٢١، وانظر موسوعة أطراف الحديث النبوي ج ٢ ص ٢٠٣.

(٢) سقط من (ب، وج).

(٣) في (ج): #.