نهج البلاغة (خطب وكلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع))،

محمد بن الحسين الشريف الرضي (المتوفى: 406 هـ)

90 - ومن خطبة له # وتشتمل على قدم الخالق وعظم مخلوقاته، ويختمها بالوعظ

صفحة 123 - الجزء 1

  الَّذِي لَمْ يَزَلْ قَائِماً دَائِماً إِذْ لَا سَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ ولَا حُجُبٌ ذَاتُ إِرْتَاجٍ ولَا لَيْلٌ دَاجٍ ولَا بَحْرٌ سَاجٍ ولَا جَبَلٌ ذُو فِجَاجٍ ولَا فَجٌّ ذُو اعْوِجَاجٍ ولَا أَرْضٌ ذَاتُ مِهَادٍ ولَا خَلْقٌ ذُو اعْتِمَادٍ ذَلِكَ مُبْتَدِعُ الْخَلْقِ ووَارِثُه وإِلَه الْخَلْقِ ورَازِقُه والشَّمْسُ والْقَمَرُ دَائِبَانِ فِي مَرْضَاتِه يُبْلِيَانِ كُلَّ جَدِيدٍ ويُقَرِّبَانِ كُلَّ بَعِيدٍ.

  قَسَمَ أَرْزَاقَهُمْ وأَحْصَى آثَارَهُمْ وأَعْمَالَهُمْ وعَدَدَ أَنْفُسِهِمْ وخَائِنَةَ أَعْيُنِهِمْ ومَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ مِنَ الضَّمِيرِ ومُسْتَقَرَّهُمْ ومُسْتَوْدَعَهُمْ مِنَ الأَرْحَامِ والظُّهُورِ إِلَى أَنْ تَتَنَاهَى بِهِمُ الْغَايَاتُ.

  هُوَ الَّذِي اشْتَدَّتْ نِقْمَتُه عَلَى أَعْدَائِه فِي سَعَةِ رَحْمَتِه واتَّسَعَتْ رَحْمَتُه لأَوْلِيَائِه فِي شِدَّةِ نِقْمَتِه قَاهِرُ مَنْ عَازَّه ومُدَمِّرُ مَنْ شَاقَّه ومُذِلُّ مَنْ نَاوَاه وغَالِبُ مَنْ عَادَاه مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْه كَفَاه ومَنْ سَأَلَه أَعْطَاه ومَنْ أَقْرَضَه قَضَاه ومَنْ شَكَرَه جَزَاه.

  عِبَادَ اللَّه زِنُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُوزَنُوا وحَاسِبُوهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحَاسَبُوا وتَنَفَّسُوا قَبْلَ ضِيقِ الْخِنَاقِ وانْقَادُوا قَبْلَ عُنْفِ السِّيَاقِ واعْلَمُوا أَنَّه مَنْ لَمْ يُعَنْ عَلَى نَفْسِه حَتَّى يَكُونَ لَه مِنْهَا وَاعِظٌ وزَاجِرٌ لَمْ يَكُنْ لَه مِنْ غَيْرِهَا لَا زَاجِرٌ ولَا وَاعِظٌ.