نهج البلاغة (خطب وكلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع))،

محمد بن الحسين الشريف الرضي (المتوفى: 406 هـ)

29 - ومن خطبة له # بعد غارة الضحاك بن قيس صاحب معاوية على الحاج بعد قصة الحكمين

صفحة 72 - الجزء 1

  اثْنَتَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وطُولُ الأَمَلِ فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِه أَنْفُسَكُمْ غَداً.

  قال السيد الشريف ¥ وأقول إنه لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا ويضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام وكفى به قاطعا لعلائق الآمال وقادحا زناد الاتعاظ والازدجار ومن أعجبه قوله # ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق والسبقة الجنة والغاية النار فإن فيه مع فخامة اللفظ وعظم قدر المعنى وصادق التمثيل وواقع التشبيه سرا عجيبا ومعنى لطيفا وهو قوله # والسبقة الجنة والغاية النار فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين ولم يقل السبقة النار كما قال السبقة الجنة لأن الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب وغرض مطلوب وهذه صفة الجنة وليس هذا المعنى موجودا في النار نعوذ بالله منها فلم يجز أن يقول والسبقة النار بل قال والغاية النار لأن الغاية قد ينتهي إليها من لا يسره الانتهاء إليها ومن يسره ذلك فصلح أن يعبر بها عن الأمرين معا فهي في هذا الموضع كالمصير والمآل قال الله تعالى: {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} ولا يجوز في هذا الموضع أن يقال سبْقتكم بسكون الباء إلى النار فتأمل ذلك فباطنه عجيب وغوره بعيد لطيف وكذلك أكثر كلامه # وفي بعض النسخ وقد جاء في رواية أخرى والسُّبْقة الجنة بضم السين والسبقة عندهم اسم لما يجعل للسابق إذا سبق من مال أو عرض والمعنيان متقاربان لأن ذلك لا يكون جزاء على فعل الأمر المذموم وإنما يكون جزاء على فعل الأمر المحمود.

٢٩ - ومن خطبة له # بعد غارة الضحاك بن قيس صاحب معاوية على الحاجّ بعد قصة الحكمين

  وفيها يستنهض أصحابه لما حدث في الأطراف

  أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ كَلَامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلَابَ وفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الأَعْدَاءَ تَقُولُونَ