نهج البلاغة (خطب وكلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع))،

محمد بن الحسين الشريف الرضي (المتوفى: 406 هـ)

112 - ومن خطبة له # ذكر فيها ملك الموت وتوفية النفس وعجز الخلق عن وصف الله

صفحة 168 - الجزء 1

  زَهِيدٌ وشَرُّهَا عَتِيدٌ وجَمْعُهَا يَنْفَدُ ومُلْكُهَا يُسْلَبُ وعَامِرُهَا يَخْرَبُ فَمَا خَيْرُ دَارٍ تُنْقَضُ نَقْضَ الْبِنَاءِ وعُمُرٍ يَفْنَى فِيهَا فَنَاءَ الزَّادِ ومُدَّةٍ تَنْقَطِعُ انْقِطَاعَ السَّيْرِ اجْعَلُوا مَا افْتَرَضَ اللَّه عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِكُمْ واسْأَلُوه مِنْ أَدَاءِ حَقِّه مَا سَأَلَكُمْ.

  وأَسْمِعُوا دَعْوَةَ الْمَوْتِ آذَانَكُمْ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى بِكُمْ إِنَّ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا تَبْكِي قُلُوبُهُمْ وإِنْ ضَحِكُوا ويَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ وإِنْ فَرِحُوا ويَكْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وإِنِ اغْتَبَطُوا بِمَا رُزِقُوا قَدْ غَابَ عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرُ الآجَالِ وحَضَرَتْكُمْ كَوَاذِبُ الآمَالِ فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَمْلَكَ بِكُمْ مِنَ الآخِرَةِ والْعَاجِلَةُ أَذْهَبَ بِكُمْ مِنَ الآجِلَةِ وإِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِينِ اللَّه مَا فَرَّقَ بَيْنَكُمْ إِلَّا خُبْثُ السَّرَائِرِ وسُوءُ الضَّمَائِرِ فَلَا تَوَازَرُونَ ولَا تَنَاصَحُونَ ولَا تَبَاذَلُونَ ولَا تَوَادُّونَ مَا بَالُكُمْ تَفْرَحُونَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الدُّنْيَا تُدْرِكُونَه ولَا يَحْزُنُكُمُ الْكَثِيرُ مِنَ الآخِرَةِ تُحْرَمُونَه ويُقْلِقُكُمُ الْيَسِيرُ مِنَ الدُّنْيَا يَفُوتُكُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِكُمْ وقِلَّةِ صَبْرِكُمْ عَمَّا زُوِيَ مِنْهَا عَنْكُمْ كَأَنَّهَا دَارُ مُقَامِكُمْ وكَأَنَّ مَتَاعَهَا بَاقٍ عَلَيْكُمْ ومَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَخَاه بِمَا يَخَافُ مِنْ عَيْبِه إِلَّا مَخَافَةُ أَنْ يَسْتَقْبِلَه بِمِثْلِه قَدْ تَصَافَيْتُمْ عَلَى رَفْضِ الآجِلِ وحُبِّ الْعَاجِلِ وصَارَ دِينُ أَحَدِكُمْ لُعْقَةً عَلَى لِسَانِه صَنِيعَ مَنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِه وأَحْرَزَ رِضَى سَيِّدِه.