نهج البلاغة (خطب وكلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع))،

محمد بن الحسين الشريف الرضي (المتوفى: 406 هـ)

114 - ومن خطبة له # وفيها مواعظ للناس

صفحة 170 - الجزء 1

  فَبَادَرُوا الْعَمَلَ وكَذَّبُوا الأَمَلَ فَلَاحَظُوا الأَجَلَ ثُمَّ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ فَنَاءٍ وعَنَاءٍ وغِيَرٍ وعِبَرٍ فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَه لَا تُخْطِئُ سِهَامُه ولَا تُؤْسَى جِرَاحُه يَرْمِي الْحَيَّ بِالْمَوْتِ والصَّحِيحَ بِالسَّقَمِ والنَّاجِيَ بِالْعَطَبِ آكِلٌ لَا يَشْبَعُ وشَارِبٌ لَا يَنْقَعُ ومِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ يَجْمَعُ مَا لَا يَأْكُلُ ويَبْنِي مَا لَا يَسْكُنُ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى اللَّه تَعَالَى لَا مَالًا حَمَلَ ولَا بِنَاءً نَقَلَ ومِنْ غِيَرِهَا أَنَّكَ تَرَى الْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً والْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً لَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا نَعِيماً زَلَّ وبُؤْساً نَزَلَ ومِنْ عِبَرِهَا أَنَّ الْمَرْءَ يُشْرِفُ عَلَى أَمَلِه فَيَقْتَطِعُه حُضُورُ أَجَلِه فَلَا أَمَلٌ يُدْرَكُ ولَا مُؤَمَّلٌ يُتْرَكُ فَسُبْحَانَ اللَّه مَا أَعَزَّ سُرُورَهَا وأَظْمَأَ رِيَّهَا وأَضْحَى فَيْئَهَا لَا جَاءٍ يُرَدُّ ولَا مَاضٍ يَرْتَدُّ فَسُبْحَانَ اللَّه مَا أَقْرَبَ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ لِلَحَاقِه بِه وأَبْعَدَ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ لِانْقِطَاعِه عَنْه!

  إِنَّه لَيْسَ شَيْءٌ بِشَرٍّ مِنَ الشَّرِّ إِلَّا عِقَابُه ولَيْسَ شَيْءٌ بِخَيْرٍ مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا ثَوَابُه وكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا سَمَاعُه أَعْظَمُ مِنْ عِيَانِه وكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الآخِرَةِ عِيَانُه أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِه فَلْيَكْفِكُمْ مِنَ الْعِيَانِ السَّمَاعُ ومِنَ الْغَيْبِ الْخَبَرُ واعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْيَا وزَادَ فِي الآخِرَةِ خَيْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الآخِرَةِ وزَادَ فِي الدُّنْيَا فَكَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ رَابِحٍ ومَزِيدٍ خَاسِرٍ إِنَّ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِه أَوْسَعُ مِنَ الَّذِي نُهِيتُمْ عَنْه ومَا أُحِلَّ