163 - ومن خطبة له # الخالق جل وعلا
  سَاجٍ يَتَفَيَّأُ عَلَيْه الْقَمَرُ الْمُنِيرُ وتَعْقُبُه الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ فِي الأُفُولِ والْكُرُورِ وتَقَلُّبِ الأَزْمِنَةِ والدُّهُورِ مِنْ إِقْبَالِ لَيْلٍ مُقْبِلٍ وإِدْبَارِ نَهَارٍ مُدْبِرٍ قَبْلَ كُلِّ غَايَةٍ ومُدَّةِ وكُلِّ إِحْصَاءٍ وعِدَّةٍ تَعَالَى عَمَّا يَنْحَلُه الْمُحَدِّدُونَ مِنْ صِفَاتِ الأَقْدَارِ ونِهَايَاتِ الأَقْطَارِ وتَأَثُّلِ الْمَسَاكِنِ وتَمَكُّنِ الأَمَاكِنِ فَالْحَدُّ لِخَلْقِه مَضْرُوبٌ وإِلَى غَيْرِه مَنْسُوبٌ.
  ابتداع المخلوقين
  لَمْ يَخْلُقِ الأَشْيَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِيَّةٍ ولَا مِنْ أَوَائِلَ أَبَدِيَّةٍ بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ حَدَّه وصَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَه لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْه امْتِنَاعٌ ولَا لَه بِطَاعَةِ شَيْءٍ انْتِفَاعٌ عِلْمُه بِالأَمْوَاتِ الْمَاضِينَ كَعِلْمِه بِالأَحْيَاءِ الْبَاقِينَ وعِلْمُه بِمَا فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَى كَعِلْمِه بِمَا فِي الأَرَضِينَ السُّفْلَى.
  منها أَيُّهَا الْمَخْلُوقُ السَّوِيُّ والْمُنْشَأُ الْمَرْعِيُّ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْحَامِ ومُضَاعَفَاتِ الأَسْتَارِ. بُدِئْتَ «مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ» ووُضِعْتَ «فِي قَرارٍ مَكِينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ» وأَجَلٍ مَقْسُومٍ تَمُورُ فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً لَا تُحِيرُ دُعَاءً ولَا تَسْمَعُ نِدَاءً ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إِلَى دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا ولَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا.