نهج البلاغة (خطب وكلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع))،

محمد بن الحسين الشريف الرضي (المتوفى: 406 هـ)

221 - ومن كلام له # قاله بعد تلاوته {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر}

صفحة 339 - الجزء 1

  سَلَكُوا فِي بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِيلًا سُلِّطَتِ الأَرْضُ عَلَيْهِمْ فِيه فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وشَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لَا يَنْمُونَ وضِمَاراً لَا يُوجَدُونَ لَا يُفْزِعُهُمْ وُرُودُ الأَهْوَالِ ولَا يَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ الأَحْوَالِ ولَا يَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ ولَا يَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ غُيَّباً لَا يُنْتَظَرُونَ وشُهُوداً لَا يَحْضُرُونَ وإِنَّمَا كَانُوا جَمِيعاً فَتَشَتَّتُوا وآلَافاً فَافْتَرَقُوا ومَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ ولَا بُعْدِ مَحَلِّهِمْ عَمِيَتْ أَخْبَارُهُمْ وصَمَّتْ دِيَارُهُمْ ولَكِنَّهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً وبِالسَّمْعِ صَمَماً وبِالْحَرَكَاتِ سُكُوناً فَكَأَنَّهُمْ فِي ارْتِجَالِ الصِّفَةِ صَرْعَى سُبَاتٍ جِيرَانٌ لَا يَتَأَنَّسُونَ وأَحِبَّاءُ لَا يَتَزَاوَرُونَ بَلِيَتْ بَيْنَهُمْ عُرَا التَّعَارُفِ وانْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الإِخَاءِ فَكُلُّهُمْ وَحِيدٌ وهُمْ جَمِيعٌ وبِجَانِبِ الْهَجْرِ وهُمْ أَخِلَّاءُ لَا يَتَعَارَفُونَ لِلَيْلٍ صَبَاحاً ولَا لِنَهَارٍ مَسَاءً.

  أَيُّ الْجَدِيدَيْنِ ظَعَنُوا فِيه كَانَ عَلَيْهِمْ سَرْمَداً شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِمَّا خَافُوا ورَأَوْا مِنْ آيَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا فَكِلْتَا الْغَايَتَيْنِ مُدَّتْ لَهُمْ إِلَى مَبَاءَةٍ فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ والرَّجَاءِ فَلَوْ كَانُوا يَنْطِقُونَ بِهَا لَعَيُّوا بِصِفَةِ مَا شَاهَدُوا ومَا عَايَنُوا.