نهج البلاغة (خطب وكلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع))،

محمد بن الحسين الشريف الرضي (المتوفى: 406 هـ)

31 - ومن وصية له # للحسن بن علي # كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين:

صفحة 396 - الجزء 1

  خَلَقَكَ ورَزَقَكَ وسَوَّاكَ ولْيَكُنْ لَه تَعَبُّدُكَ وإِلَيْه رَغْبَتُكَ ومِنْه شَفَقَتُكَ.

  واعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَداً لَمْ يُنْبِئْ عَنِ اللَّه سُبْحَانَه كَمَا أَنْبَأَ عَنْه الرَّسُولُ ÷ فَارْضَ بِه رَائِداً وإِلَى النَّجَاةِ قَائِداً فَإِنِّي لَمْ آلُكَ نَصِيحَةً وإِنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ فِي النَّظَرِ لِنَفْسِكَ وإِنِ اجْتَهَدْتَ مَبْلَغَ نَظَرِي لَكَ.

  واعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّه لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لأَتَتْكَ رُسُلُه ولَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِه وسُلْطَانِه ولَعَرَفْتَ أَفْعَالَه وصِفَاتِه ولَكِنَّه إِلَه وَاحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَه لَا يُضَادُّه فِي مُلْكِه أَحَدٌ ولَا يَزُولُ أَبَداً ولَمْ يَزَلْ أَوَّلٌ قَبْلَ الأَشْيَاءِ بِلَا أَوَّلِيَّةٍ وآخِرٌ بَعْدَ الأَشْيَاءِ بِلَا نِهَايَةٍ عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِيَّتُه بِإِحَاطَةِ قَلْبٍ أَوْ بَصَرٍ فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَافْعَلْ كَمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِكَ أَنْ يَفْعَلَه فِي صِغَرِ خَطَرِه وقِلَّةِ مَقْدِرَتِه وكَثْرَةِ عَجْزِه وعَظِيمِ حَاجَتِه إِلَى رَبِّه فِي طَلَبِ طَاعَتِه والْخَشْيَةِ مِنْ عُقُوبَتِه والشَّفَقَةِ مِنْ سُخْطِه فَإِنَّه لَمْ يَأْمُرْكَ إِلَّا بِحَسَنٍ ولَمْ يَنْهَكَ إِلَّا عَنْ قَبِيحٍ.

  يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ أَنْبَأْتُكَ عَنِ الدُّنْيَا وحَالِهَا وزَوَالِهَا وانْتِقَالِهَا وأَنْبَأْتُكَ عَنِ الآخِرَةِ ومَا أُعِدَّ لأَهْلِهَا فِيهَا وضَرَبْتُ لَكَ فِيهِمَا