[البلاء والصبر]
  من قائل في ذلك: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ١٥}[الفجر] وأقول قد أكرمك ونعَّمك، فكيف شكرتَ المنعمَ المكرمَ، وهل أجزتَ البلية فقد سماها بلوى، أم جعلت إجازتها لعباً ولهواً، وركْضاً في ميادين الأهواء، أين أنت عن الشكر والإيثار الذي هو تعبُّدُك في هذه البلوى إن كنت من المهتدين، ألم تسمع إلى قول العبد الصالح سليمان # إن كنتَ من المتوسِّمين: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠}[النمل] غنيٌّ حيٌّ لا يحتاج، كريمٌ يعطي من يشاء بغير حساب، وليس هذا لأحد سواه.
  وقال تعالى في المعنى الثاني من البلوى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ١٦}[الفجر] أهانك ليزدادَ بإهانتك سلطاناً إلى سلطانه؟! أو يجبر بنقيصتك نقصاً في شأنه؟! أفلا يستحيي الجهالُ بمواقع الحكمة من العليم الحكيم! أو يَرُدُّوا الأمرَ إلى من أُمِرُوا بالأخذ عنه والتعليم، ليُقَوِّمُوا لهم أَوَدَ عقولهم، ويَحِلُّوا عُقَدَ لَدَدِ تحصيلهم من وُلاة الأمر، وورثة الكتاب، وسفن النجاة، على أبيهم وعليهم أفضل السلام والصلاة.
  فالبلوى تخرج على هذين المعنيين، وقد هلك بجهل ذلك كثيرٌ من الناس؛ فقد رأيتَ كيف سمَّى سبحانه التضييقَ في الرزق باسم التوسيع، وهو أحمدُهُمَا عاقبة، وأهونهما على المتفكرين مشقَّة، وفي الحديث المروي عن النبي ÷ أنه قال: «أبْشِرُوا صَعَالِيكَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْفَوْزِ عَلَى الْأَغْنِياءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمِقْدَارِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَالْأَغْنِياءُ مَوْقُوفُونَ يُحَاسَبُونَ عَلَى فَضَلَاتِ أَمْوَالِهمْ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبُوهَا، وَفيمَ أَنْفَقُوهَا» وقد رجَّحَ أمير المؤمنين # بلوى المحنة على بلوى النعمة في أبيات رويناها عنه، قال فيها:
  عَطِيَّتُهُ إذا أعْطَى سُرورٌ(١) ... فَإنْ سَلَبَ الَّذِي أعْطَى أَثَابَا
  فَأَيُّ النِّعْمَتَيْنِ أَجَلُّ قَدْراً ... وَأعْظَمُ في عَواقِبِهَا إيابَا
  أنِعْمَتُهُ الَّتِي أهْدَتْ سُرُوراً ... أَمِ الْأُخْرَى الَّتِي ذَخَرَتْ ثَوَابَا
(١) في النسخ: سروراً، لكنه شطب على الألف في الأصل وفي بعضها، والوجهان محتملان.