حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[التسليم لأمر الله]

صفحة 101 - الجزء 1

  فأنواع الصبر على هذا ثلاثة:

  احتمال المشقة باستصغار البلوى وتهوينها، وهو أعظمها أجراً.

  وصبرٌ على الثناء باللسان وذكر ما يمكن ذكره من النعمة، إذْ ذكرُ جميعِها لا يدخل تحت الإمكان.

  وصبرٌ على العمل بالأركان للخروج عن عهدة ما لزم.

  وإذا أردتَ الإجمالَ قلتَ: الصبرُ على وجهين؛ صبرٌ على الفعلِ، وصبرٌ على الترك، فالفعل فعل الطاعة، والترك ترك المعصية.

  واعلم أن الموَفَّقَ من العباد من تأمَّل ما ذكرنا بعين البصيرة؛ ليقابل كلَّ واحدةٍ من البليتين بما ينبغي أن يُقابَلَ به محبوبُ الحكمة وكريهُهَا ليخرج عن الواجب في ذلك، فنسأل الله تعالى التوفيق لما يحب ربنا ويرضى.

[التسليم لأمر الله]

  ورابعها: التسليم لأمر الله، ومعنى التسليم التمليكُ، لا فرق عند أهل اللغة بينهما، فمخرج ذلك أنه # حضَّ المتعبدين على أن يُمَلِّكوا أمرَ الله تعالى نفوسَهم وأولادَهم وأموالهم وأوِدَّادَهم، فينقادوا لأمر الله تعالى فيهم بالكريه والشهيِّ، والشويه والبهيِّ، انقياد المملوك الذليل الحاذر لمالكه العزيز القاهر، وذلك لا يكون إلا بأن يقابل الأوامر فيهم بالائتمار، والأفعال بالرِّضَى والاعتبار، فلا يَدَعُ من ذلك أمراً مما يعود إلى الفعل وإن كان كريهاً إلَّا رضيَه، ولا أمراً مما يعود إلى القول إلا سمعه واتبعه، فإنْ ورد بواجبٍ فعَلَه لوجوبه، وإن ورد بندبٍ فعَلَه لأجل ندب الحكيم إليه وتهذيبه.

  وقِوامُ ذلك كله وشخصه وظله لا يستقيم إلا بالتحفظ عن ارتكاب المحظورات ووطء المحذورات؛ لأنها له في الحقيقة محبطاتٌ مهلكاتٌ، وأمْرُنا - بحمد الله تعالى - في تكليفنا أخفُّ من أمْرِ من كان قبْلنا؛ انظر إلى قومٍ من بني إسرائيل أُمِروا بقتل أنفسهم، فتلقَّوا الأمر بالتسليم، فبركوا على رُكَبِهِمْ وحزُّوا أعناقهم بسيوفهم، إنَّ هذا لهو البلاء المبين.