[الغيبة والنميمة، والاستطالة في عرض المسلم، والسعاية بالمسلمين]
  يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨}.
  والطَّيُّ نقيضُ النشر، والصحائف هي الكتب التي تُدَوَّنُ فيها الأعمال.
  وآجالكم يحتمل آجال الكافَّة، ويحتمل أن يكون لكلِّ واحدٍ منَّا آجالٌ، أجلٌ لموته، وأجلٌ لقتله، وأجلٌ لعمله، وصحائف هذه الآجال لا تُطوى إلا عند انقطاع تكليف العبد، وعند ذلك يَعرِفُ عاقبةَ عمله، فإنْ كان خيراً استَرَّ به سروراً لا غمَّ بعده أبداً، وإن كان شرّاً اغتمَّ له غمّاً لا سرور بعده أبداً، والتفكُّرُ في هذا يقطع الأنفاس، ويُكثِر الوسواس.
  قوله #: أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّ نِيَّةَ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ، وَنِيَّةَ الْفَاسِقِ شَرٌّ مِنْ عَمَلِهِ.
  النيةُ والإرادةُ معناهما فينا واحدٌ، ولا يجوز إطلاق النية على الباري تعالى، وقد تقدم الكلام في معنى المؤمن والإيمان، والخير والشر، ولا فرق بين الفعل والعمل.
  والفاسقُ هو الخارج عن الدين بكبائر العصيان، هذا في العرف، وأما في الأصل فمعنى الفِسق الخروج على كلِّ وجه، ومنه قولهم فسقَتِ الرُّطَبَة إذا خرجت، وسُمِّيت الفويرة فُوَيْسِقة لخروجها من جحرها كثيراً تريد الاغتيال والخيانة.
  ومعنى الحديث أنَّ عملَ المؤمن الذي صار به مؤمناً خيرٌ، ونيته للخير من جملة أعمال الخير، بل هي قِوَامُ العمل؛ لقول النبي ÷: «الْأَعْمَالُ بِالنِّياتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وعملُ الفاسق الذي به صار فاسقاً شرٌّ، ونية الشرِّ من جُملة أعمال الشرِّ، وهي مما تعمَّدُه القلوب وتكتسبه، وقد ورد السمع بالمؤاخذة بأعمال القلوب، خلافاً لما ذهبتْ إليه المجْبِرَةُ الحَشْويَّةُ(١) مِنْ أنَّ نية الشرِّ لا تكتب ونيةَ الخير تكتب، ويروون في ذلك أحاديث مُتَأوَّلة على ما يشهد له البرهانُ العقليّ، ومُحْكَمُ القرآن الجلي.
(١) المجبرة: يسمون مجبرة وقدرية، ولا يرضون بهذه التسمية بل يسمون أنفسهم أهل السنة، ويجمع مذهبهم القول بخلق الأفعال وإرادة المعاصي، وأن الله يعذب من يشاء بغير ذنب، وأنه تعالى يفعل الفعل لا لغرض، وأنه لا يقبح منه شيء، وأن القبائح بقضائه وقدره ... إلى غير ذلك (من حاشية في كتاب الإصباح على المصباح تحقيق السيد العلامة المجتهد عبد الرحمن شايم المؤيدي سلام الله عليه). وأكثرهم حشوية وقد سبق تعريف الحشوية في حاشية سابقة خلال شرح الحديث الثاني ص ٥٦.