الحديث الثامن
  قوله #: وَمَنْ أَرْضَى اللهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللهُ شَرَّهُمْ.
  هذا نقيض ما تقدَّمَ، وهو أولى الأمرين بالعاقل المميز، وأحمدهما عاقبة، لأنَّ الخالق أولى بالإرضاء من المخلوق، والمالك من المملوك، ومن أرضى المملوكَ بسخط المالكِ فقد رمى بنفسه في المهالكِ، ومن أرضى المالكَ بسخط المملوك فقد عمل بالواجب، وقد قال بعض الحكماء ما يليق ذكره بهذا المكان، وهو قوله في أدب الوزارة: إذا خالطتَ مَلِكاً حازماً فأرضه بسخط حاشِيتهِ، وإذا صحِبتَ ملِكاً أحمقاً فأسخِطْهُ بِرِضا حاشيته.
  والحازمُ هو العالم بوجوه المنافع وأسباب المضار، الذي لا يمنعه التواني عن الاستعداد، والله تعالى العالم لذاته، القادر لذاته، الذي يستحيل عليه الغفلة والنسيان، وهو الذي لا يُنْجِي من غضبه إلَّا رضاه، ولا من معصيته إلا معرفتُه، وكُلُّ الخلق عبيدُه، والدّارُ دارُه، فكيف يُرْضِي العبدُ عبداً مثله بسخط مولاهما جميعاً على علمه، وقد قدَّم في ذلك وعيدَه، هذا ما لا يقبله عقلٌ سليمٌ، ولا يفعله رجلٌ عليمٌ.
  وكفايةُ شرِّهم يكون بأحد أمرين: إمَّا بصرفهم ودفع ضررهم عنه، وإمَّا بأن يجزل ثوابه في الآخرة، وينتزعَ له من أعواضهم ما يرتفع حكم شرِّهم لأجله، فلا يُعَدُّ شَرُّهُم شرّاً لذلك، فإذا كان ذلك كذلك فقد كُفِيَهُ.
  قوله #: وَمَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ كَفَاهُ اللهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ.
  الإحسانُ فيما بينه وبين الله تعالى أنْ يعامِلَ الحكيم سبحانه معاملةَ المحسنين في التسويةِ بين باطنه وظاهره، وإخلاص العمل لوجهه، وإيثار رضاه على رضا نفسه، فهؤلاء هم المحسنون حقّاً، الذين لا تضيعُ أجورُهم، ولا تُجرَح في موقف الحساب صدورُهم.
  وكفايةُ الله تعالى له فيما بينه وبين الناس أن يصرف عنه شرهم بأحد أمرين: إمَّا بأن يصرف عنه من شرهم ما يتعلق بفساد دينه، فهذا صرفُه واجب، وهو من الحكيم تعالى واقع، وإمَّا بأن يكفيَه فيما بينه وبينهم بأن يجعل بينه وبينهم حدوداً من أمره إنِ اعتدَوْهَا أجرى عليهم حكمَ العادين في