حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الثامن

صفحة 119 - الجزء 1

  الرواية العامية⁣(⁣١): (كُلُّ صَدَاقَةٍ فِي غَيْرِ مَرْضَاتِ الله آخِرُها عَدَاوَةٌ) ومثل ذلك من المشهور: (مَنْ أَعَانَ ظالِماً أُغْرِيَ بِه) وقد قال تعالى: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}⁣[المائدة: ١٤] فهذا في أمر الدنيا يحتمل ذلك على الأكثر والأغلب؛ وذلك مشاهد، وأمَّا في الآخرة فعلى سبيل العموم لا بد من أنْ يلعنَ بعضُهم بعضاً، ويتبرَّأَ بعضُهم من بعض، ويقولون ما حكى الله تعالى عنهم: {رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ٢٩}⁣[فصلت] وهذا غاية الذم والاستخفاف، فعلى أيِّ واحدٍ من الأمرينِ حُمِلَ اللفظ كان صحيحاً، وإنْ حُمِلَ على مجموعهما فهو جائز.

  قوله #: وَمَنْ أَرْضَى النَّاسَ بِسَخَطِ اللهِ وَكَلَهُ اللهُ إِلَيْهِمْ.

  الإرضاءُ نقيضُ الإغضاب، وهو الفعل أو الترك الذي ترضى النفوس عنده، أي تطيب وتسكن. والناس هم بنو آدم، وهم أحدُ أجناس المتعَبَّدين الثلاثة الذين هم الملائكة والإنس والجنّ، وسُمِّيت الإنسُ إنساً لأُنسهم وتأَنيسهم، وسمِّيت الملائكةُ ملائكةً لأنهم رسُل الله سبحانه في الأمور المهمة، ومنه سمِّيت الرسالةُ أَلُوكَةً ومَأْلُكَةً⁣(⁣٢)، وسمِّيت الجِنَّةُ جِنّاً لاجتنانهم عن الأبصار.

  والسخط نقيض الرضى. ومعنى وكَلَهُ الله إليهم صرف أمرَه إليهم، ومن ذلك سُمِّي الوكيلُ وكيلاً لأن الأمرَ يُصرف إليه، وهذا أمرٌ هائل، وفزع شاغل، لمن فكَّر في معناه، لأن العبد إذا علِم أنه لا مانع لما أعطى اللهُ، ولا مُعْطي لما منع، ولا نافع لمن ضرَّ، ولا ضارَّ لمن نفع، ولا واضع لمن رفع، ولا رافع لمن وضع، ولا كاسر لما جبر، ولا جابر لما كسر، ولا باسط لما قبض، ولا قابض لما بسط، ولا حارم لمن أعطى، ولا معطي لمن حرم، ولا مثيب لمن عاقب، ولا معاقب لمن أثاب، ثم علِم مع ذلك أنه قد وُكِلَ إلى غيرِ مَنْ هذه صفته كيف يَقِرُّ نافرُه، أو يسلو خاطرُه، وهو موكولٌ إلى من لا يملك لنفسه نفعاً، ولا يدفع عنها ضُرّاً، فكيف يرضى عاقلٌ أنْ يصْرفَ أمرَه إليه، وأن يمسي ويصبح متوكِّلاً عليه.


(١) في النسخة (أ) ونسخة أخرى: العامة.

(٢) فيها الوجهان: بضم اللام وفتحها، ذكره في القاموس المحيط (ص: ٩٣٢).