حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الثامن

صفحة 123 - الجزء 1

  الْآيَةُ: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}⁣[النساء: ١١٤].

  الرحمةُ نقيض الغضب، وهو الفضل والإحسان من الله تعالى، والشفقة والمحبة من العباد، وقد تقدم الكلام في معنى اسم الله تعالى، وكذلك الكلام في تسمية العبدِ عبداً.

  والكلامُ هو الأصواتُ المقطعة بالحروف المرتبة، وهو ينقسم إلى مفيد وغير مفيد، فإذا أردتَ فَصْلَه قُلتَ: الموضوع للإفادة.

  والغُنْمُ أحدُ فوائد الأموال، ورغائب الآمال، وقد يكون بشدة وقتال وبغير شدة وقتال، فإذا كان بغير شدة وقتال، قيل: غنيمة باردة، ومغنم بارد، معناه لم يَصْلَوا فيه حَرَّ القتال، وروي عن الأصمعي أنَّ الغنيمة الباردة هي الواجبة الثابتة، من قولهم: برَد عليه لي حقٌّ، إذا وجب، وبالوجهين جميعاً فسَّروا قول النبي ÷: «الصِّيَامُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ».

  والسكوتُ نقيض الكلام، ومعناه أن لا يتكلم، والسلامةُ نقيض الغرامة.

  ومعنى الحديث أنَّهُ ÷: دعا بالرحمة لمن تكلم بما يكون به غانماً وهو الكلام بكتابِ الله تعالى وذكرِه بالتحميد والتمجيد، وذكرِ ملائكته $ وأنبيائه À وأتباعهم قدس الله أرواحهم بالإجلال والتعظيم، والأمرِ بطاعة الله سبحانه، والنهي عن معصيته، مع القول بالحقِّ في جميع ما افترض على عباده.

  وأمَّا الكلام فيما يعنيه من معاملة دنياه، وأسباب معاشه، ومكاسب الحلال، فقد يكون مندوباً، وقد يكون مباحاً، وقد ينقلب في بعض الأحوال محظوراً إذا أردتَ به المكاثرة والسمعة، فانظر إلى الضمائر ما تصنع إنْ كنتَ من الناظرين.

  وما عدا ما قدَّمنا من أنواع الكلام فهو فضلٌ من القول، منه المباح والمكروه والمحظور، والاحتراز منه على العموم أولى، فأمَّا معرفة عيونه وأحكامه ففرضٌ واجبٌ؛ ليتمكن العبد من الاحتراز عن محظوره ومكروهه، وذلك لا يقع إلا بمعرفة عيونه ووجوهه.

  ومن كلام الحكماء: (إذا كان الكلامُ من فِضَّة فالصَّمتُ من ذهب) ومن استفتاحاتهم: (مَنْ صَمَتَ نَجَا) وقال لقمان #: (الصَّمْتُ حُكْمٌ، وَقَلِيلٌ فاعِلُه) وكان سبب هذا الكلام: أنه