[الرزق والقسمة، والحكمة من التفضيل في الرزق]
  الأم، وتارة أعطى أولاد الأم كما اختاره علي #، وحَرَم أولاد الأب والأم(١).
  ومن طلب تعليل هذا بغير اختياره تعالى وحكمته لحق بالقرامطة، وتاه في ميدان الضّلال، ويكفيك في هذا قول الله سبحانه: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ٢٠}[الإسراء] {هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ} أراد سبحانه المؤمنين والكفار، والأخيار والأشرار، ولا وجه للآية يُعقل إلا هذا، ثم بيَّنَ تعالى كيفية الإعطاء، فقال سبحانه: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ٢١}[الإسراء] فصرَّح بالمفاضلة بين عباده بالإمداد، وحثَّ على النظر إلى ذلك بعين الفِكْر والإرشاد، وقال تعالى شافعاً لِما ذكرنا: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ٣٠}[الإسراء] خبيراً بما يصلحهم من ذلك، بصيراً بعواقب أعمالهم ومبالغ آجالهم.
  وقال تعالى في الدلالة على أنه الرازق لأهل المعاصي من عباده - فقد خالف فيه من خالف في المفاضلة مخاطباً للمشركين خاصة، ولا معصية أكبر من الشرك بالله تعالى -: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ٣١}[الإسراء] فصرَّح سبحانه بأنَّه الرازق لهم، وإن كانوا قد أضافوا إلى الشرك خطأً كبيراً هو قتل أولادهم، فلم يمنعه ذلك من رزقهم في دار الدنيا، ولا يتحقق التكليف ما لم يكن تعالى مُنْعِماً عليهم، فانظر إلى هذه المقالة كيف تؤدِّي إلى سقوط التكليف بوجوب شكر الباري تعالى عن أكثر العباد، وأين الناظرون.
  وقال تعالى في الدلالة على التفضيل في الرزق: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ٧١}[النحل].
  فقد تبين لك صحة ما ذهبنا إليه من أنَّ القسمة بعدلٍ، وإن وقعت فيها المفاضلة؛ لأنها تقع مطابِقَةً لما يعلم الله تعالى من المصلحة وإن كانت متفاضلة كما صرح تعالى بذلك تصريحاً لا مجال
(١) وذلك عندما يكون الورثة هم: زوج وأُم وإخوة لأُم وأخ شقيق أو أكثر. وتسمى المسألة الحجرية، والمنبرية، والحمارية.