[من أقوال أمير المؤمنين # في الرزق]
  للتأويل فيه، ثم بين عجزنا عن رزق أنفسنا بأنَّا لا نقدر على ردِّ ما رزقنا على مِلْكِ أيماننا بوجهٍ من الوجوه مع بقاء الْمِلك؛ لأنَّ ما صار في أيديهم فهو مالُنا دونهم، ولا يمكننا الخروج عنه لهم مع بقاء ملكهم لنا، مع أنه يمكننا إخراجُهم وتحريرهم عن رقِّنا بعتقهم وتمليكهم ما شئنا من أموالنا، ومثل هذا التقدير مستحيلٌ فينا؛ لأنه لا يمكننا تحرير أنفسنا عن ملكه لنا أصلاً، بل ذلك مستحيل فينا، كما أنه جائز منَّا في مماليكنا الذي مَلَّكَنا مِنَّةً مِنهُ تعالى علينا، فلا يمكننا أن نُمَلِّكهم شيئاً من رزقنا مع بقاء رِقِّنا، فأمَّا نفقتهم وكسوتهم فهي من قِبَلِهِ تعالى واجبة لهم عندنا، وما عدا ذلك لا يمكننا إيصاله إليهم حتى يكون رزقاً لهم، فكيف يمكننا أن نرزق أنفسنا، أو نجحد رزق ربنا ومفاضلته بيننا، وقد صرَّح بذلك في القرآن المجيد، فمخالفته ضلال بعيد، وزيغ شديد، وما الملجئ إلى ذلك، وقد روينا عن جابر أن رسول الله ÷ قال: «أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ، فَلَا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ، وَاتَّقُوا اللهَ أيُّهَا النَّاسُ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ».
[من أقوال أمير المؤمنين # في الرزق]
  وقد صرَّح أمير المؤمنين # بمقالتنا هذه في النثر تارة، وفي النظم أخرى بما لا يتسع الكتاب لإحصائه، وإنما نذكر منه طرفا كافياً لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد.
  من ذلك ما روي عنه في كتاب نهج البلاغة من قوله #: (وقَسَّمَ الْأَرْزَاقَ فَقَلَّلَهَا وَكَثَّرَهَا، وَقَسَّمَهَا عَلَى الضِّيقِ وَالسَّعَةِ وَعَدَلَ فِيهَا، وَامْتَحَنَ مَنْ أَرَادَ فِي ذَلِكَ بِمَيْسُورِهَا وَمَعْسُورِهَا، وأَرَادَ بِذَلِكَ الصَّبْرَ وَالشُّكْرَ مِنْ غَنِيِّهَا وَفَقِيرِهَا، وقَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِيلَ(١) فَاقَتِهَا، وَبِفُرَجِ أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا) في كلام طويل(٢)، فإذا تأمَّلْتَ مقالتنا علمتَ أنَّا اغترفنا من ذلك القَلِيب، وضربنا في عِلْمِ آبائنا بِأوْفَرِ نصيب، وروينا عنه # في النظم أنه قال:
(١) العَقَابِيلُ جَمْعُ عُقْبُولَة وهي بقايا المرض، تمت ضياء، هامش (أ) وقال في القاموس: العَقابِيلُ: بَقايا العِلَّةِ، وما يَخْرُجُ على الشَّفَةِ غِبَّ الحُمَّى، ... واحِدَةُ الْكُلِّ: عُقْبُولَةٌ وعُقْبُولٌ، ا. هـ (القاموس المحيط: ١٠٣٥).
(٢) هي الخطبة المعروفة بخطبة الأشباح، و.