حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الرياء]

صفحة 172 - الجزء 1

  حَاجَةَ الْغَنِي»، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَمَا حَاجَةُ الْغَنِي؟ قَالَ: «الرَّجُلُ الْمُوسِرُ يَحْتَاجُ، فَصَدَقَةُ الدِّرْهَمِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ سَبْعِينَ أَلْفاً» ولا شكَّ أنَّ من ضيَّع ما هذه حاله فقد فَوَّتَ على نفسه خيراً جسيماً، وثواباً عظيماً.

  قوله #: أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّ الْأَشْيَاءَ ثَلَاثَةٌ: أَمْرٌ اسْتَبَانَ رُشْدُهُ فَاتَّبِعُوهُ، وَأَمْرٌ اسْتَبَانَ غَيُّهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَأَمْرٌ اخْتَلَفَ عَليَكُمْ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ.

  الأشياءُ هاهنا هي المعهودة الْمُقدَّمة الذِّكْرِ التي قسَّمها # إلى ثلاثة أقسام. والأمرُ عند بعض أهل التحصيل من العلماء: لفظٌ مشتركٌ بين أمورٍ كثيرة. والاستبانة هو الوضوح والظهور. والرُّشْدُ نقيضُ الغَيِّ، وهو الإصابة والإعلام في الأصل. والاتّباع هو اللَّحَاقُ، والغَيُّ هو مُجاوَزة الحدِّ، وأصلُه من الفصيل يرضع فوق حده فيهلك أو يشارف الهلاك، يقال غوي الفصيل من ذلك، ثم نُقِل إلى مَنْ تجاوز الحدَّ في الحقِّ.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنَّ النبي ÷ دلَّ على سلوك منهاج الحق، وطريقه العلمُ، وهو أن الأمرَ لا يعدو عند الإنسان ثلاثة أمور: إمَّا أن يعلم أنَّه صوابٌ ورشدٌ، فيعمله عن معرفة وبصيرة، وإمَّا أن يعلم أنَّه خطأٌ وضلالةٌ فيتركه عن بصيرة ومعرفة، وإمَّا أن يلتبس عليه حالُه فيمْسِك عنه ويرده إلى الله تعالى، فإنَّ ذلك رُسوخٌ عند أهل المعرفة، وفي ذلك ما روينا عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله ÷: «إنَّ اللهَ لَا يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ مِنَ النَّاسِ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ، فَإِذَا قَبَضَ الْعُلَمَاءَ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالاً سُئِلُوا؛ فَاسْتَحْيَوا أَنْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا كَثِيراً».

  ومعنى قوله #: (فَرُدُّوهُ إلى اللهِ) يحتمل أحد وجهين: إمَّا الإمساك عن التقحم في أمره حتى يجعل الله تعالى بعد عسرٍ يسراً، أو يحدث سبحانه بعد أمرٍ أمراً، وإمَّا أن يكون # أراد: فرُدُّوه إلى وُلَاةِ أمر الله تعالى من عترة نبيه صلى الله عليه وعليهم؛ لأنهم معدن هذا العلم ونصابُهُ، وتراجمته وأربابه، وبهم يحل الله تعالى مُشْكِلَه ويفتح مُقْفَلَه، ويكون هذا على حذف