[الإنصاف]
  فقام إليه عمر فأغلظ له وتهدَّدَه، فنهاه النبي ÷ وقال: «نَحْنُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْكَ أَحْوَجُ» قال: إلى ماذا يا رسول الله؟ قال: «إِلَى أَنْ تَأْمُرَنَا بحُسْنِ الْأَدَاءِ، وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ الْاقْتِضَاءِ، اذْهَبْ مَعَهُ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَاقْضِهِ دَيْنَهُ، وَزِدْهُ كَذَا وَكَذَا؛ لِمَكَانِ مَا قُلْتَ لَهُ» فسار اليهودي غير بعيدٍ، ثم رجع فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّك رسول الله، والله ما لي إلى دَيني من حاجة، ولَكِنَّا وجدنا صفتك في كتابنا، فما غادر من أمرك شيئًا، وكان في ذلك أنَّه لا يزيدُك جَهْلُ الجاهل عليك إلا حِلماً، فأردْتُ أن أعلم ذلك، فكان كذلك.
  وإنْ شئتَ فانظر إلى أمير المؤمنين # وقصَّتَه مع رجل نصراني وجد معه درعاً فعرفها، فقال علي #: الدِّرْعُ درعي، لم أبعْ ولم أهبْ، فقال النصراني: الدرع درعي، وما أنت عندي يا أمير المؤمنين بكاذب، فترافعا إلى شُرَيح قاضي أمير المؤمنين، فطلع أمير المؤمنين # إلى شُرَيح وقال: يا شريح لو كان خصمي إسلامياً لجلستُ معه، ولكني سمعتُ رسول الله ÷ يقول: «صَغِّرُوهُمْ كَمَا صَغَّرَهُمُ اللهُ تَعَالَى، وَإِذَا كُنْتُمْ مَعَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَأَلْجِئُوهُمْ إِلَى مَضَايِقِهِ» وخصمي نصراني، ثم ادَّعى # الدرعَ، وأنكر النصراني، فقال شُرَيح: هل من بَيِّنَةٍ يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا، قال: فالدرعُ درعُه، فقال #: أحسنتَ، فأخذها النصراني وانصرف، فمشى غير بعيدٍ، ثم رجع فقال: أمير المؤمنين يمشي إلى قاضيه! وقاضيه يقضي بالحق عليه! هذا والله أحكام الأنبياء، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، هي والله درعُكَ يا أمير المؤمنين، تبعتُ الجيش وأنت صادرٌ إلى صفين(١) فجرَرْتُها من حقيبة جملك الأوْرَق(٢)، قال: أمَّا إذا أسلمتَ فهي لك، ثم حمله على فرس من أفراسه، فرُزِقَ الشهادةَ يوم النهروان(٣).
(١) صفين: موضع بقرب الرّقّة على شاطئ الفرات من الجانب الغربي بين الرّقّة وبالس [وهي الآن جزء من الأراضي السورية غرب الرقة]، وفيها الوقعة المشهورة بين الإمام علي # ومعاوية، وكانت في شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين بعد وقعة الجمل بسنة، (انظر معجم البلدان: ٣/ ٤١٤).
(٢) في (أ): فجررتها من بعيرك الأورق ... الخ، قال في هامش (أ): الأَوْرَقُ الذي فيه سوادٌ وغَبَرَة، تمت ضياء.
(٣) النّهْرَوان: بلدة على مقربة من الكوفة في طرف صحراء حَرُوراء، ويوم النهروان هي الوقعة المشهورة لأمير المؤمنين علي # على الخوارج المارقين، الذين خطّأُوه في التحكيم، وجهروا بعداوته، وصاروا =