حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الشبهة]

صفحة 190 - الجزء 1

  إليه عُمْدَتَه، والنصَفَةَ شعاره، وسؤال الصالحين دثاره، لأنا روينا عن النبي ÷ أنه قال: «إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ».

  واعلم أيها الأخ أيَّدك الله أنَّ المعرفة بالدليل تُنْهِجُ لك السبيل، وأكثر ما أُتِيَ الناس من جهلهم بالدليل، وهو مأخوذ من دليل الطريق، قال قائلُ أهل اللغة⁣(⁣١):

  إِذَا الدَّلِيلُ اسْتَافَ أَخْلَافَ الطُّرُقْ ... [............................................]

  فسُمِّي دليلاً لأنَّه يرشد ويوصل إلى الغرض المطلوب، فلما كان إذا نظر العاقل فيه على الوجه الصحيح أوصله إلى العلم؛ فهو دليلٌ، وهو اليقين الذي تسكن إليه النفس، قال تعالى: {وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}⁣[النمل: ١٤] يعني علمتها وسكنت إليها، ولا يصح لها علم في ما يجوزُ ورود الشبهة عليه إلا بالدليل، إذ حصول العلم بغير دليل فيما هذا حاله مستحيلٌ، وقد روينا عن النبي ÷ برواية النعمان بن بشير⁣(⁣٢) أنه قال: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْرِفُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنْ تَرَكَهُنَّ اسْتَبْرَأَ مِنَ الدَّنِيَّةِ، وَمَنْ وَاقَعَهُنَّ وَاقَعَ الْحَرَامَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى فَيُوشِكُ أنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا إنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى، وَحِمَى اللهِ مَحَارِمُه» وفي هذا تنبيهٌ على أنَّ الصواب عند وقوع الشبهة في بعض


(١) القائل هو رُؤْبَة بن العَجَّاج، تقدمت ترجمته، واسْتافَ معناه: شَمَّ، وعجز البيت: (كَأّنَّها حَقْبَاءُ بَلْقاءُ الزَّلَقْ) من ديوان رؤبة بن العجاج، وفي الديوان: أخلاق بدلا من أخلاف، وأخلاق الطرق: قديمها وداثرها. ا. هـ.

(٢) النعمان بن بشير بن سعد الخزرجي، كان من حزب معاوية بصفين، وغزا بعض نواحي أمير المؤمنين #، وولي حمص لمعاوية ثم ليزيد، ثم قُتِل بحمص سنة أربع وستين. قال الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد المؤيدي #: وقد ظهر سرّ التسمية النبوية له بـ (غُدَر) فإن رسول الله ÷ سمّاه بذلك في الصغر، في قصة ذكرها ابن عبد البر، فهو من رؤوس الغادرين، وتحت لوائهم يحشر.

قال في الاستيعاب: كان أميراً على الكوفة لمعاوية سبعة أشهر، ثم كان أميراً على حمص لمعاوية، ثم ليزيد؛ فلما مات صار زُبيريّاً، فخالفه أهل حمص، فأخرجوه منها، واتبعوه وقتلوه.

وفيه: أنه أراد أن يهرب، فطلبه أهل حمص، فقتلوه، واحتزوا رأسه ... إلخ (لوامع الأنوار للإمام الحجة/ مجد الدين بن محمد المؤيدي # ط ٣ - ج ٣/ ٢٥٨) (وانظر الاستيعاب ٤/ ١٤٩٨)، والقول في الرواية عنه كالقول في الرواية عن غيره في حال ستره قبل انكشاف أمره، ولأن الحكمة ضالة المؤمن، يأخذها من كلّ من وجدها معه، كما ذكره الإمام خلال شرح الحديث الثاني والثلاثين ... ا. هـ.