حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[قصة ثعلبة بن حاطب]

صفحة 206 - الجزء 1

  باكياً، فلم يأخُذْها رسول الله ÷، وردَّها عليه، فلما قُبض رسول الله ÷ جاء بها إلى أبي بكر، فقال: ما كنتُ لآخذ شيئاً ردَّه رسول الله ÷، ثم إلى عمر، ففعل كذلك، فمات إلى لعنة الله منافقاً، لم يرفعه منعه، ولا نفعه جمعه.

  قوله تعالى: {مِنْهُمْ} عائدٌ إلى ثعلبة بن حاطب، لأنَّ مِنْ للتبعيض وهو بعضُهم، والمعاهدةُ: هي المواطأة على الأمر الذي يقع في المستقبل، يقول قائلهم: عَهِدَ إليَّ فلان في كذا، وعَهِدَ إليَّ أن أفعل كذا، ثم قد صار يفيد اليمين والقسم، وأصله ما قدمنا. والمعاهدة مفاعلةٌ، فلا تكون إلا بين اثنين، فلما أعطى اللهَ تعالى عهدَه - أي يمينه - قال سبحانه: {عَاهَدَ اللَّهَ} فأجابَ القَسَمَ بـ {إِنْ}، لأنه أوجبَ على نفسه ما عاهد اللهَ تعالى عليه، وأدخل اللام للتأكيد، و {آتَانَا} بمعنى أعطانا لا فرق في ذلك، وقال: {مِنْ فَضْلِهِ} لِأَنَّ فضله تعالى لا ينحصر، وفضله سعة ما عنده. فَضْلَةُ الشيء ما يزيد على القدر المحتاج إليه، ومُلْكُ الله تعالى يستغرق حاجة المحتاجين، ويُوفي على آمال جميع الآملين، إلى غير نهاية ولا غاية، إذ هو القادر لذاته.

  والصدقة: مأخوذةٌ من الصدق، وهو الصلابة والقوة، يقال: رُمح صَدْقُ الكعوب، وكلامٌ صادقٌ، إذا كان متيناً بريئاً من الفساد والكذب، فأعطى اللهَ تعالى العهدَ لَيُخْرِجَنَّ لِوجْهِهِ خالصاً على الوجوه التي تقدَّمَ تفصيله لها في قصته المتقدِّمة مِنْ صلة الأرحام إلى تمام الحديث. والصالحون هم السالمون من فساد المعاصي، أُخذ من الصلاح وهو السلامة في الأصل. قال تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمْ} بمعنى أعطاهم من فضله من سعته وملكه؛ بخلوا به مَنَعُوا، وأصلُ البُخْل المنع، يقال: شجرة بخيلة للَّتي لا تُثْمِرُ، والهاء في {بِهِ} عائدة إلى فضله الذي آتاهم، {وَتَوَلَّوْا} معناه أدْبَروا عن أمر الله تعالى، وعن الوفاء بعهدهم. {وَهُمْ مُعْرِضُونَ ٧٦} مائلون عن أمر الله تكَبُّراً وجَهْلاً ولُؤْماً وبُخْلاً. {فَأَعْقَبَهُمْ} ذلك الفعل بما كانوا عليه من سلامة الظاهر، ودخولهم في زمرة المؤمنين نِفَاقاً، حصل لهم هذا الاسم الذي هو ذَمٌّ عقيب اسم المدح، وتتبعه أحكامٌ هائلة، والنفاق: هو استبطان الكفر والتغطِّي بالإسلام، أُخذ من النافقاء وهو أحد جِحَرَةِ اليربوع، لأنها الراهِطَاءُ والقاصِعاءُ والنَّافِقاءُ، وهو جُحْرٌ يستعمله من باطن بيته، ويُبْقِي مما يصلى ظاهر الأرض ستراً رقيقاً بحيث إذا نطحه برأسه خرقه بغير طائل عناية، فإذا لُزِمَ عليه الراهطاء والقاصعاء خرج من النافقاء، فأشبَهَ حالُه حالَ المنافق؛ لأنَّه أظهَرَ خلاف ما أبْطن.