[قصة ثعلبة بن حاطب]
  وإعقابُ الله تعالى لهم النفاقَ بالإيمان هو حُكْمُه عليهم بذلك، إذ خَلْقُه للنفاق في قلوبهم لا يجوز لأنَّه قبيحٌ، والله تعالى لا يفعل القبيح، ولأنه ذمَّهم عليه، وهو لا يَذُمُّ على فعله، ويحتمل أن يكون الضميرُ في {أعْقَبَهُمْ} عائداً إلى طلبهم الغنى ورغبتهم في الدنيا، تزهيداً في طلب مثل ذلك. والقلوبُ: معروفة، وخَصَّ القلوبَ بالنفاق لأنه يَحُلُّها، إذْ هو اعتقادُ الكفر بالله تعالى، واعتقادُ كذبِ رسوله. واللقاءُ: هو المواجهة في الأصل، والمراد به هاهنا لقاء أمره فيهم، وحُكمه عليهم، إذ المواجهة تستحيل في حقِّه، ويحتمل أن تكون الهاء في {يَلْقَوْنَهُ} تعودُ إلى المعهود بالدليل الذي هو عقاب النفاق؛ لأنَّ في تلك الحال يزول النفاق، ويلجأ المنافق إلى الصدق والوفاق، والخُلْفُ: نقيض الوفاء، وأصل الخُلْفِ الفساد والتغَيُّرُ، يقال: أخْلَفَ فَمُ الصائم إذا تغيَّرَ، فشبَّهَ خُلْفَ الوعد بذلك لقُبحه عندهم، وهم وَعَدُوا اللهَ تعالى ما تقدمت حكايته، ونَفْعُهُ عائدٌ عليهم، إذ هو الغَنِيُّ الذي لا تجوز عليه الحاجة، القادر الذي يستحيل عليه العجز، وقد أراهم الآية فيما أعطاهم من الرزق عقيب سؤال نبيه #، {أَلَمْ يَعْلَمُوا} استفهام - ومعناه التقرير - {أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ} الذي تضمَّنَتْهُ قلوبهم، أُخذ من سر العود، وهو مجرى الماء في وسطه، فهو أغمَضُهُ وأخْفاه عن العيون والأيدي، شُبِّهَ به سِرُّ الإنسان، {وَنَجْوَاهُمْ}: مشورتهم، وهذان اللذان يَظُنُّ الإنسان أنه قد قَدَرَ على كتمانهما، وبَيَّنَ ذلك بأنَّه علامُ الغيوب، وهي الأمور الغائبة، ولا يكون غائباً في حقه تعالى إلا المعدوم، فأمَّا نحن فالغائبُ في حَقِّنا ما لم تقع عليه مشاعرنا، فبَيَّنَ أنَّ إتيان عَدُوِّهِ بزكاته وبكاءَه كان مصنوعاً ولم يكن له حقيقة، لأنَّ الله تعالى قد علم أنَّ الذي في قلبه والذي يناجي به ثِقاتَه خلافُ ما أظهر لنبيِّه وللمسلمين، والزكاة تَطْهِرَةٌ للمسلمين، فلم يستحقَّ ذلك، وكان في تبقيته على حاله مصلحة استأثر الله تعالى بعلمها، فانظر حطام الدنيا إلى ما يسوق مَنْ جعله هَمَّه، ونسي عاقبة تبعاته، وسرعة فواته.
  فنسأل الله تعالى أن يجعلنا للدنيا رافضين، ولجوارحنا حافظين، والصلاة على النبي وآله الطيبين.