حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[تفسير قول الله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة} ... الآية]

صفحة 223 - الجزء 1

  قوله #: قَالَ: خُذْ بِيَدِ أَخِيكَ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ.

  قد تقدم الكلام في معاني هذه الألفاظ اللغوية لتكرارها في المحاورة السابقة، والضمير في (قال) عائد إلى الله، وأخْذُه بيد أخيه دلالة الرضى وتمام العفو، إذ لا تقع المخاصرة⁣(⁣١) عند العرب إلا مع زوال وَحَرِ⁣(⁣٢) القلوب وضِبابها، وزوال الحسيكة من لِصابها⁣(⁣٣)، بل ذلك دلالة الوداد عندهم والمحبة، والألفة والصحبة، قال الشاعر⁣(⁣٤):

  ثُمَّ خاصَرْتُها إلى القبَّة الخَضْـ ... ـرَاءِ تمشِي في مَرْمَرٍ مَسْنُونِ⁣(⁣٥)

  وأخوه هاهنا هو الجاني عليه، وقد بيَّنَّا فيما تقدم ما يحتمل معنى الأخُوَّة من التأويل، وتعقيب العفو بدخول الجنة لا يمتنع أن يحمل على ظاهره، ويكون الله تعالى أدخلهما جنة من جنانه التي لا تمنع من خَلْقِها حِكْمَتُه، ولا تعتاص⁣(⁣٦) قدرته؛ يأكلان من ثمارها، ويعبدانه تعالى فيها حتى يأتيهما اليقين، فيكون قد عجل لهما المسرَّة، ودفع عنهما المضرّة، وآتاهما ثواب الدنيا في الدنيا، وحسن ثواب الآخرة في الآخرة، وهذا لا ينكره إلا من يجهل قدرة الله تعالى وحكمته، وجواز مفاضلته بين عباده في الأرزاق، ومخالفته بينهم في التعبُّد، ومثل هذا لا يلتفت إلى قوله؛ إذ جَهِلَ من الحكمة جُلَّها، ومنعها مَحَلَّها، واستبدل بها جَهْلاً، واتخذها كَلاًّ، فلم يكن لها أهلاً، ولم يستنشق رَوْحَ نسيمها، ولا باشر برد نعيمها، بل هجرها فهجرته، وزجرها فزجرته، فأصبح منها عائلاً، ولم ينل منها طائلاً، فرزيَّتُه في نفسه أعظمُ من رزيَّة أهل الحق في فراقه.


(١) الْمُخاصَرَة: أنْ يأخذَ الرَّجُلُ بِيَدِ آخَرٍ ويَتَسايَرا مَعاً، يَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُما عِنْدَ خَصْرِ الْآخَرِ، تمت من شمس العلوم، هامش (أ) (وانظر النهاية في غريب الحديث والأثر ٢/ ٣٧) ..

(٢) وَحَرُ الْقَلْبِ، بالتَّحريك: غِشُّه ووَساوِسُه. وَقِيلَ: الحِقْد والغَيْظ. (انظر النهاية ٥/ ١٦٠).

(٣) الضَّبُّ: الحِقْدُ، وجَمْعُه ضِباب، والحَسِيكَةُ: العَدَاوَةُ والضَّغِينة، واللِّصاب: مأخوذ من لَصِبَ يَلْصَبُ لَصَباً، وهو اللصوق واللزوق في الشيء، لَصِبَ الخاتم في الأصبع أي لصق ولزق ولم يقْلِقْ، ا. هـ. قاموس.

(٤) هو عبد الرحمن بن حسان بن ثابت.

(٥) الْمَرْمَرُ: الرُّخامُ، والْمَسْنُونُ: الْمُمَلَّسُ [أي الْمَصْقُول]، من هامش الأصل.

(٦) العَوَصُ: ضِدُّ الإِمكان واليُسْرِ؛ شيءٌ أَعْوَصُ وعَوِيصٌ، (لسان العرب: ٧/ ٥٨).