حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[تفسير قول الله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}]

صفحة 228 - الجزء 1

  خَلِقَتِ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ فَمَا يُجَدِّدُونَهَا، وَخَرِبَتْ بَيْنَهُمْ فَمَا يَعْمُرُونَهَا، وَمَاتَتْ فِي صُدُورِهِمْ فَمَا يُحْيُونَهَا، بَلْ يَهْدِمُونَهَا فَيَبْنُونَ بِهَا آخِرَتَهُمْ، وَيَبِيعُونَهَا فَيَشْتَرُونَ بِهَا مَا يَبْقَى لَهُمْ، وَنَظَرُوا إلَى أَهْلِهَا صَرْعَى قَدْ حَلَّتْ بِهِمُ الْمَثُلَاتُ، فَمَا يَرَونَ أَمَاناً دُونَ مَا يَرْجُونَ وَلَا خَوفاً دُونَ مَا يَحْذَرُونَ»(⁣١).

  قيل فِعْلُ ما لم يُسَمَّ فاعله، وهذه بِنْيَتُه، وفيه لغتان: بالواو والإشمام⁣(⁣٢)، وهذه أظهر لغاته وأكثر دوراناً في كلامهم، وكذلك الحُكْم في كِيل وبِيع.

  ورسول الله: هو المتحمل للرسالة عنه إلى عباده، ونحن شاهدون له ÷ بتبليغ الرسالة وتأدية الأمانة. والصلاة عليه منا الدعاء والترحم، ومن الله تعالى إجابة دعائنا فيه والرحمة له، ولا بد من ذكر آله $ معه في الصلاة، وهم ذريته حقيقةً، وقد يدخل معهم غيرهم توسعاً، فيفتقر إلى قرينة؛ لأنه لا يسبق إلى أفهام أهل الشرع واللغة عند إطلاق القول بأن هذا من عترة رسول الله صلى الله عليه وعليهم إلَّا مَن اختُصَّ بولادة الحسن والحسين $.

  وإنما قلنا لا بد من ذكرهم لِمَا روينا عن النبي ÷ أنه قال: «لَا تُصَلُّوا عَلَيَّ الصَّلَاةَ الْبَتْرَاءَ» قالوا: يا رسول الله، وما الصلاة البتراء؟ قال: «أَنْ تُصَلُّوا عَلَيَّ وَلَا تُصَلُّوا عَلَى آلي؛ فَإِنَّ اللهَ لَا يَقْبَلُ الصَّلَاةَ عَلَيَّ حَتَّى تُصَلُّوا عَلَى آلِي مَعِي».

  مَنْ أَوْلِيَاءُ اللهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ؟

  استفهامٌ يستغرق المتَّصفين بصفة الوِلاية، فأولياء الله معناه أهل ولايته الذين ترعاهم عين رعايته، وتكلَأُهم كَفُّ كِلاءته، وأولياؤه خلاف أعدائه، والسؤال تعين عن الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فكأنه # سئل عن خلاصة الخلاصة، وخاصة الخاصة.


(١) الحديث رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (١/ ١٠) وابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء (ص ١٥ برقم ١٨) وابن عساكر في تاريخ دمشق (٤٧/ ٤٦٦) وكلها تروي أن السائل هم الحواريون والمسؤول هو عيسى #، وهو مروي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين # باختلاف يسير.

(٢) منهم من يقول: قُيل وبُيع بالإشمام، ومنهم من يقول: قول وبوع بالواو، تمت، هامش (أ).