حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث التاسع عشر

صفحة 227 - الجزء 1

الحديث التاسع عشر

  عَنْ⁣(⁣١) أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - وقد تقد الكلام فيه نسباً وحالاً⁣(⁣٢)، وهو خادم رسول الله ÷ في الليل والنهار، وملازمه في الحضر والأسفار، وكان به حفيّاً، وله وليّاً، يخاطبه بـ (يا بُنَي) كما يخاطب الوالد ولده، وعُمِّرَ إلى زمن عبد الملك بن مروان، ونزل العراق، ففي الحديث أنَّ الحَجَّاج لعنه الله أساء عِشْرته، وآذاه بالكلام، وكان شديد العداوة لأصحاب رسول الله ÷ خاصّةً، ولسائر المسلمين عامّة، فكتب أنس إلى عبد الملك يشكوه في كتابٍ أطال فيه أنس، وذَكَر الحجاجَ وقُبْحَ معاشرته له، وقال في كتابه: والله لو أن اليهود والنصارى وجدوا رجُلاً خَدَم موسى بن عمران، وعيسى بن مريم @ يوماً واحداً لفعلوا في أمره كذا وكذا، وأنا خدَمْتُ رسول الله ÷ عشر سنين، فما رعيتم⁣(⁣٣) لي ذلك، فأمر عبد الملك البريد على الفور بكتاب غليظ إلى الحجاج يلعنه ويتهدده، ويُقْسِم لئن لم تُحَكِّمْ أَنَساً في نفسك وترفع من شأنه ليفعلنَّ فيه كذا وكذا من أنواع العذاب، وكتب إلى أنس جواب كتابه كتاباً ليِّناً يسترضيه ويستعطفه، فلما وصل كتاب عبد الملك إلى الحجاج أقلقه وأرعبه، وأرضى أنساً وأعتبه وتشفع إلى أنس أن يكتب إلى عبد الملك بالرِّضى عنه، ففعل - قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ: مَنْ أَوْلِيَاءُ اللهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ؟ قَالَ: «الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى بَاطِنِ الدُّنْيَا حِينَ نَظَرَ النَّاسُ إِلَى ظَاهِرِهَا، وَاهْتَمُّوا بَآجِلِ الدُّنْيَا حِينَ اهْتَمَّ النَّاسُ بِعَاجِلِهَا، فَأَمَاتُوا مِنْهَا مَا خَشُوا أَنْ يُمِيتَهُمْ، وَتَرَكُوا مِنْهَا مَا عَلِمُوا أَنْ سَيَتْرُكُهُمْ، فَمَا عَرَضَ لَهُمْ مِنْ نَائِلِهَا عَارِضٌ إِلَّا رَفَضُوهُ، وَلَا خَادَعَهُمْ مِنْ رِفْعَتِهَا خَادِعٌ إِلَّا وَضَعُوهُ،


(١) قال السيد الشريف: وحدثنا أبو الفضل العباس بن محمد بن أبي حكيم قال وحدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا الغلابي قال حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال حدثنا مالك بن أنس قال حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك ... الحديث.

(٢) سبق ذلك في الحديث الأول.

(٣) كذا في الأصل، وفي باقي النسخ: (رأيتم).