حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الخامس والعشرون

صفحة 283 - الجزء 1

الحديث الخامس والعشرون

  عَنْ⁣(⁣١) عَبْدِ اللهِ ابْنِ عُمَرَ، قد تقدم الكلام في نسب ابن عمر وطريقته، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ÷ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّمَا هُوَ خَيْرٌ يُرْجَى أَوْ شَرٌّ يُتَّقَى، وَبَاطِلٌ عُرِفَ فَاجْتُنِبَ، وَحَقٌّ تُيُقِّنَ فُطُلِبَ، وَآخِرَةٌ أَظَلَّ إِقْبَالُهَا فَسُعِيَ لَهَا، وَدُنْيَا أَزِفَ نَفَادُهَا فَأُعْرِضَ عَنْهَا، وَكَيْفَ يَعْمَلُ لِلْآخِرَةِ مَنْ لَا تَنْقَطِعُ عَنِ الدُّنْيَا رَغْبَتُهُ، وَلَا تَنْقَضِي فِيهَا شَهْوَتُهُ، إِنَّ الْعَجَبَ كُلَّ الْعَجَبِ لِمَنْ صَدَّقَ بِدَارِ الْبَقَاءِ وَهُوَ يَسْعَى لِدَارِ الْفَنَاءِ، وَعَلِمَ أَنَّ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى فِي طَاعَتِهِ وَهُوَ يَسْعَى فِي مُخَالَفَتِهِ».

  الخير نقيض الشر، وهو الصلاح والسلامة. والرجاء: هو توقع وصول الخير إلى الراجي. والشر: هو ما تنفر عنه النفس، وسواء كان حسناً أو قبيحاً. والاتِّقاء: هو الاحتراز من مواقعة الشر بساتر أو حاجز.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه ÷ بَيَّن أنَّ الذي ينبغي أن يشتغل به العباد رجاء خير بتهيئة أسبابه وهي الأعمال الصالحة، أو اتقاء شرٍّ بما يُدْفَع به مثله من الحسنات الواقعة، فأما رجاء العبد للخير وهو يعمل ما يوجب الشر فذلك رجاءٌ فاسد، وأملٌ مديد، وضلالٌ بعيد، وكذلك إذا اتقى الشر، وهو يسعى في تقوية أسبابه فقد أساء الاختيار لنفسه، وطلب الشيء في غير مَظِنَّتِهِ⁣(⁣٢)، فمن أولى - والحال هذه - منه بالانتزاح من الخير، ومواقعة الشر.

  قوله #: وَبَاطِلٌ عُرِفَ فَاجْتُنِبَ، وَحَقٌّ تُيُقِّنَ فُطُلِبَ.

  الباطل هو الأمر الذاهب الذي لا حقيقة له في الأصل، فلما كان الباطل يتلاشى ويذهب ويزول أهله سُمِّي باطلاً. والمعرفة نقيض الإنكار. والاجتناب الاعتزال، وهو مأخوذ من


(١) قال السيد الشريف: وحدثنا جعفر بن إبراهيم بن الهادي قال حدثني أنس بن مالك الأنصاري من ولد أنس بن مالك خادم رسول الله ÷ قال حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد قال حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن عبد الله بن عمر ... الحديث.

(٢) مَظِنَّةُ الشَّيءِ، بكسر الظاءِ: موضعٌ يُظَنُّ فيه وُجودُه. (القاموس المحيط: ١٢١٤).