حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الفضيل بن عياض وقصة توبته]

صفحة 282 - الجزء 1

  قوله #: وَهُوَ مِفْتَاحُ كُلِّ سَيِّئَةٍ، وَسَبَبُ إِحْبَاطِ كُلِّ حَسَنَةٍ.

  المفتاح: هو الآلة التي تُفْتح بها الأغلاق، وهو معروف، وهو الإقليد وجمعه أقاليد، وجمع مفتاح مفاتيح ومفاتح. والسيئة ما يسوء الإنسانَ مشاهدتُهُ أو ذكره، مأخوذ من السَّوْء وأصله البرص، وكان مِنْ أَكْرَهِ علَّةٍ عندهم، فسموا به القبائح جملة، وهي نقيض الحسنة، والسيئة ما يستقبح نظرها، ويسوء ذكرها، قال الشاعر:

  ولَقَدْ نَظَرْتُكِ في النِّساءِ فسُؤْتِني ... وأَبَا بَنِيكِ فَسَاءَنِي في الْمَجْلِسِ⁣(⁣١)

  والحسنة: ما يُستحسن نظرها، ويسر ذكرها، وقد قيل قوله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً}⁣[البقرة: ٢٠١] أنَّ حسنة الدنيا الزوجة الصالحة، وما ذلك عندي ببعيد.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # وهو أخبر الخابرين، وأنصح الماضين والغابرين، أخبر أنَّ الطمع مفتاحُ كلِّ خطيئة يَهُمُّ بها ابن آدم، ويكون بابُها مغلقاً حتى يأتي بمفتاح الطمع؛ ثم يعالجها به، فيلج لا محالة على السيئة بيتها، فيواقعها فيكون من المسيئين، فإذا واقعها وكان من أهلها؛ حَبِطت كل حسنة يعملها؛ لارتكابه الحُوب الكبير، والخطأ الشهير، فما أنت أيها المسكين واستشعار أمرٍ هذه صفته، ويؤدي مع ذلك إلى إحباط حسناتك التي هي عتادك في الشدائد، وعونك على الأوابد، فانظر إلى هذا الشأن، واحزم منه أشد الحزم إن كنت تنتفع بالفهم، جعلنا الله وإياكم من الناظرين بعين المعرفة، والسالمين من الاتصاف بهذه الصفة.


(١) قال في حاشية الأصل: الحطيئة واسْمُهُ جَرْوَل، هَجَا بِهَذَا الْبَيْتِ أَبَاهُ وأُمَّه، وَقِصَّتُه أنَّهُ هَجا عُمَرَ بنَ الْخَطّابِ، ثُمَّ أَمَّنَهُ بَعْدَ هَجْوِه، فلَمَّا كانَ في بَعْضِ الْأيام أَوْهَمَ عَلَيْهِ أنَّه يُرِيدُ عُقُوبَتَه، فقال له: يا أمير المؤمنين إني امرؤ بذيء اللسان، قد هجوت أبي وأمي وزوجتي ونفسي، وأنشده هذا البيت، قال: فكيف هجوت نفسك؟ فقال: نظرت وجهي في إناءٍ فيه ماءٌ، فاسْتَقْبَحْتُهُ، فَقُلْتُ:

أبَتْ شَفَتَايَ اليومَ إلَّا تكلُّماً ... بشرٍّ فلا أَدْرِي بما أنا قَائِلُهْ

أَرَى لِيَ وَجْهاً شَوّهَ اللهُ خَلْقَهُ ... فقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ وقُبِّحَ حَامِلُهْ

انتهى، من حاشية في الأصل، مات نحو سنة ٤٥ هـ.