حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[التفكر والتدبر فيما يبعث فينا إيثار الآخرة على الدنيا الفانية]

صفحة 287 - الجزء 1

  الكاذبة على الكدح شيئاً يسيراً، فأعرضنا عن عمل الآخرة، وسعينا لعمل الدنيا، فَمِنَّا فليعجب العاجبون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

  قوله #: وَعَلِمَ أَنَّ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى فِي طَاعَتِهِ وَهُوَ يَسْعَى فِي مُخَالَفَتِهِ.

  معنى المعرفة والعلم واحد. والرضى نقيض الغضب. والطاعة نقيض المعصية. والسعي معروف. والمخالفة نقيض الموافقة.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أن هذا أيضاً ممَّا عجب منه النبي ÷ كل العجب، ومنه فليعجب العاجبون، فإنا قد علمنا من جميع العقلاء أن أحداً منهم لا يعلم أن رضا الملك القادر عليه في فعل شيء، وغضبه في مخالفته؛ فيتعمد مجاهرته بمواقعة غضبه، وهو سليم العقل أصلاً، وكل أفعالنا مع الباري سبحانه مجاهرة؛ لأن السِّرَّ عنده علانية، والغيب شهادة، فإذا كان العقلاء يتقربون إلى ملك الدنيا بموافقته وإيثار رضاه - هذا مع عجزه وضعفه - فكيف لا يُتَقَرَّبُ إلى ملك الملوك، وجبار الجبابرة، ومبيد الملوك القاهرة، والأمم الكافرة، بطاعته الهيِّنة في جنب ثوابه الجزيل، والاحتراز من عقابه الوبيل، فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم في طاعته ساعين، ولعهده راعين، والصلاة على محمد وآله.