[مواعظ جليلة في التحذير من الدنيا والترغيب في الآخرة]
  قوله #: فَلَا تَخْدَعَنَّكُمْ زَخَارِفُ دُنْيَا دَنِيّةٍ عَنْ مَرَاتِبِ جَنَّاتٍ عَلِيَّةٍ.
  الخديعة أصلها الفساد، ومنه قولهم: خَدَع الرِّيقُ إذا فسد، فلما كان من الناس الْمُوهِمُ مُفْسِداً قيل خادع، وسُمي فعله خديعةً. والزخرف أصله الذهب، والزخاريفُ التَّصَاويرُ به والنقوش، يقال بيتٌ مزخرفٌ أي مُزَوَّقٌ(١) مُنَقَّشٌ بالذهب. وقد تقدم الكلام في الدنيا. والدنية والحقيرة والرذيلة في نظائر لها معناها واحد. والمراتب هي الدَّرَج والمنازل. والجنات الحدائق والحضائر. والعَلِيَّة الرفيعة.
[مواعظ جليلة في التحذير من الدنيا والترغيب في الآخرة]
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # حذَّرنا أن تخدعنا زخارف هذه الدنيا الفانية، وهي نضارتها البالية، فنسكن إليها اغتراراً بها، فنكون مخدوعين عن الخير التام، والنعيم الكامل، والرَّوْح(٢) الباقي، وبيَّن لنا أن الدنيا دنية، ولا شك في ذلك؛ لأنها لا تدوم لنا، ولا ندوم لها، ومتاع كل واحد منا بصاحبه قليل، وكم عسى أن يُنعَّم فيها الناعمون، أو يسْلم السالمون، أفليس فجائعها مُوتَرة القِسِيِّ، مفَوَّقة السهام، تُفَرّق الجماعات، وتجمع التِّباعات، فبينا ترى الإنسان فيها ناعماً مسروراً إذْ حَالَ بائساً مضروراً، وبينا تراه قاهراً إذ انقلب مقهوراً، وكم من صريع لها لم تؤْذِنه(٣) بالصرعة، ومائلٍ إليها مالت عنه، وصادقٍ لها كذبت به، فكيف يسكن إلى هذه لبيب؟! أو يضرب في وُدِّها بنصيب!.
  وإذا كانت مراتب الجنات العليَّة معروضةً في مقابلةِ حقوقٍ مفروضة؛ فكيف يحسن لنا الاشتغال عنها، أو الترك لشيء منها، إنما هو ثوابٌ جزيلٌ في مقابلة عملٍ قليلٍ، دون طاقتنا بكثير؛ صيامنا نصف سدس زماننا، ولعل صلاتنا تُنجز في مثل ذلك من يومنا وليلتنا.
(١) الزَّاوُوقُ: الزِئْبَقُ. والتَّزْويق: التَّزْيينُ والتَّحْسينُ، لأنه يُجْعَلُ مَعَ الذَّهَبِ، فَيُطْلَى به، فَيُدْخَلُ في النارِ، فَيَطيرُ الزاوُوقُ، ويَبْقَى الذَّهَبُ، ثم قيلَ لِكُلِّ مُنَقَّشٍ ومُزَيَّنٍ: مُزَوَّقٌ. (انظر القاموس المحيط: ٨٩٢).
(٢) الرَّوْحُ: بِفَتح الراء، هو ما يَرْتاحُ إليه الْقَلْبُ وَالنَّظَرُ، حاشية في الأصل.
(٣) تُؤْذِنهُ: أي تُعْلِمهُ، حاشية في الأصل.